اطبع هذه الصفحة


الفوز الكبير العظيم

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهنيئاً لكل مسلم فاز برضاء الله جل جلاله عنه, فذلك هو الفوز العظيم, قال الله عز وجل: ﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ﴾ [المائدة:119] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه.

وقال الله عز وجل: ﴿ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم﴾ [التوبة:72] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم. وقال العلامة السعدي رحمه الله: رضا رب الأرض والسموات أكبر من نعيم الجنات.

وهنيئاً لكل مسلم فاز بالنجاة من العذاب يوم القامة, فذلك الفوز المبين, قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ﴾ [الأنعام:16]  قال العلامة العثيمين رحمه الله: في هذه دليل على أن الفوز الحقيقي هو الذي يحصل بصرفِ العذابَ عن الإنسان يوم القيامة...فالفوز الحقيقي البين الظاهر هو الفوز بالنجاة من العذاب يوم القيامة, نسأل الله أن يرزقنا ذلك.  

وهنيئاً لكل مسلم فاز بالعتق من النيران, ودخول الجنان فذلك  الفوز الكبير, قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فمن زُحزح عن النارِ وأُدخل الجنة فقد فاز ﴾ [آل عمران:185] قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: فمن نُحّي عن النار فأُبعد منها وأُدخل الجنة, فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة.

وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ﴿ فمن زُحزح ﴾ أي: أخرج, ﴿ عن النارِ وأُدخل الجنة فقد فاز ﴾ أي: حصل له الفوز العظيم, بالنجاة من العذاب الأليم, والوصول إلى جنات النعيم, التي فيها ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.

وهذا الفوز الحقيقي الكبير العظيم له أعمال تُوصل إليه, ومن تلك الأعمال:

& الإيمان والعمل الصالح, قال الله عز وجل: ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير﴾ [البروج:11] قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ إن الذين آمنوا ﴾ بقلوبهم, ﴿ وعملوا الصالحات﴾ بجوارحهم

& طاعة الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم, قال عز وجل: ﴿ ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ﴾ [النساء:13] قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ ومن يطع الله ورسوله ﴾ بامتثال أمرهما, الذي أعظمه طاعتهما في التوحيد, ثم الأوامر على اختلاف درجاتها, واجتناب نهيهما الذي أعظمه الشرك بالله, ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها.

& الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال, قال الله عز وجل: ﴿ لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون * أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم﴾ [التوبة:88-89]  وقال الله عز وجل: ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ﴾ [التوبة:111]  

ـــــــــــ

وعن أنس رضي الله عنه, قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً من بني سليم إلى بني عامر في سبعين, فلما قدموا قال لهم خالي: أتقدمكم فإن أمنوني حتى أُبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا  كنتم مني قريباً, فتقدم فأمنوه, فبينما يُحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه, فأنفذه, فقال: الله أكبرُ, فُزتُ وربٍّ الكعبة...[الحديث, متفق عليه]

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: فُزتُ وربٍّ الكعبة: أي بالشهادة.  

هذا هو الفوز حقيقية الذي ينبغي أن يعمل المسلم له, فمن لم يدركه فلم يفز حقيقةً,

فالإنسان مهما نال من أمور دنيوية أطلق عليها: الفوز الكبير, أو الفوز العظيم, أو غير ذلك, فليست بفوزٍ حقيقي, يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الفوز حقيقة ليس بربح الدينار والدرهم والجاه والرئاسة, الربح العظيم أو الفوز العظيم هو فوز الإنسان بجنات النعيم, أسأل الله أن يجعلنا من الفائزين بها.

وهذا الفوز هو غاية الغايات, قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ إن هذا لهو الفوز العظيم ﴾ [الصافات:60] الذي حصل لهم به كل خير, وكل ما تهوى النفوس وتشتهي, واندفع عنهم به كل محذور ومكروه, فهل فوز يطلب فوقه ؟ أم هو غاية الغايات, ونهاية النهايات, حيث حلّ عليهم رضا رب الأرض والسموات, وفرحوا بقربه, وتمتعوا بمعرفته, وسروا برؤيته, وطربوا لكلامه ؟

وختاماً فإن الفائزين هم أصحاب الجنة, قال الله جل وعلا: ﴿ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾ [الحشر:20] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل.

اللهم نسألك يا كريم أن نكون من الفائزين بالجنان, ورضا الرحمن.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ