اطبع هذه الصفحة


لا تيأس فإن الله على كل شيءٍ قدير

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فاليأس مرض عضال وداء مهلك, وهو مبتغى الشيطان, يقول الشيخ الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغير: اليأس يعدّ مرضاً وكربة تؤثر في النفس بشكل سلبي دائماً, فيجعلها تتراجع إلى الوراء, وتسير خلف الركب, وهو عدو الفكر والتحرر والانطلاق, وعدو التطور والتقدم والابتكار, وهذا هو مبتغى الشيطان وقمة فرحه وسروره.

وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه, والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ.   

فاطرد اليأس, فالمؤمن لا ييأس, ولا يقطع الرجاء من الله عز وجل, بل يرجو رحمة الله جل وعلا, قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87] قال الإمام الطبري رحمه الله: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته, ويقطع رجاءه منه. ﴿ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما يشاء تكوينه. وقال الإمام القرطبي رحمه الله: أي لا تقنطوا من فرج الله قاله ابن زيد, يريد أن المؤمن يرجو فرج الله وقال العلامة الألوسي رحمه الله: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ أي لا تقنطوا من فرجه سبحانه وتنفسيه

وقال الإمام ابن عاشور رحمه الله: والمعنى: لا تيأسوا من الظفر بيوسف عليه السلام معتلين بطول مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة, فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيأ لها أسبابها. ومن كان يؤمن بأن الله واسع القدرة لا يحيل مثل ذلك.

فمن آمن بأن الله عز وجل قدير على كل شيء لم يدب اليأس إلى قلبه, قال الله جل وعلا: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284] قال العلامة العثيمين رحمه الله: فلا أحد يقدر على كل شيء إلا الله عز وجل, وأما المخلوق فقدرته محدودة.

ومن آمن بأن الله عز وجل قدير على كل شيء لم يأس من تفريج أي كرب وقع له أو وقع لغيره ممن يودهم ويحبهم, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: لا تيأس من رحمة الله فيما يتعلق بك, ولا فيما يتعلق بغيرك, فإن الله تعالى على كل شيء قدير,...إذا دعوت الله عز وجل بأي شيءٍ فلا تيأس لا تقل: هذا لا يمكن, إلا ما كان عدواناً واعتداءً فلا يجوز, وهذا يفتح للإنسان باب الرجاء وباب دعا الله واللجوء إليه,...لا تيأس من رحمة الله أبداُ, انتظر الفرج, ولكن اصبر لا تتعجل الأمور, فالله تعالى جعل لكل شيءٍ سُنة وطريقة تأتي بها في النهاية.

لا تيأس من نفسك ,ما دمتم تندم على ذنوبك, وتحاف وتشفق منها, قال الجنيد رحمه الله تعالى: لا تيأس من نفسك وأنت تشفق من ذنبك وتندم عليه بعد فعلك. وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: لا تيأس من نفسك ما دمت تندم على ذنبك.

وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾ أي: لا تيأسوا منها, فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة, وتقولوا قد كثرت ذنوبنا, وتراكمت عيوبنا, فليس لها طريق يزيلها, ولا سبيل يصرفها, فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان, متزودين ما يغضب عليكم الرحمن, ولكن اعرفوا ربكم, بأسمائه الدالة على كرمه وجوده, واعلموا ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ من الشرك, والقتل, والزنا, والربا, والظلم, وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار...فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته, فإنه يغفر الذنوب جميعاً, وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

ـــــــــــــــ

لا تيأس من هداية غيرك ممن يعيش في ظلمات المعاصي والذنوب, ممن تجب وتود من زوج وأبناء وإخوان وغيرهم, فعليك أن تُكثِرَ وتُلِحَّ في الدُّعاء والتضرُّع للكريم الرحيم القريب المجيب فهذه زوجة تسأل العلامة ابن عثيمين رحمه الله حاكيةً واقِعَها مع زوجها وكيف صَلَحَتْ حالُه بدعائها الله عز وجل تقول: كان زوجي يشرب الخمر وحاولتُ أن أرشدَه إلى الطريق الصحيح، فلم أستطع إلَّا بالتضرُّع إلى الله، والتوسُّل إليه في إبعاده عن الخمر، فاستجاب الله دعائي، وترك زوجي الخمر.

لا تيأس من شفاء نفسك أو شفاء غيرك من أي مرض كان, حتى ولو كان من الأمراض التي يقول الأطباء أنها ميؤوس منها, قال العلامة العثيمين رحمه الله: كم من إنسان دعوا له الغاسل, واشتروا له الكفن, وقربوا له النعش, وتهيأ أصحابه لتشيعه ثم يعافيه الله عز وجل لأن الله على كل شيءٍ قدير,...يُذكر لنا أن بعض القراءِ الذين وهبهم الله تعالى إيماناً وتقوى يقرأُ على المصاب بالسرطان فيبرأ بإذن الله فالسرطان حسب الطبّ...يرونه من الأمراض الميؤوس منها."  

ومن القصص التي يستشهد بها في هذا _ والقصص كثيرة _ قصة المرأة المغربية التي أُصيبت بسرطان في الثدي, وقرر الأطباء قطعه, فتوجهت إلى مكة, وبقيت هناك شهراً تدعو الله وتتضرع, وتغسل ثديها بماء زمزم, فلما عادت إلى بلادها, وكشف عليها الأطباء لم يصدقوا في البداية, لأن الورم زال برحمة الله وقدرته سبحانه وتعالى.  

لا تيأس إن كنت لم ترزق بأبناء, يحكي الأستاذ خالد بن سليمان بن علي الربعي في  كتابه "من عجائب الاستغفار": قصة زوجين لم يرزقا بأبناء وقد بحثا عن علاج وأسباب ولكنها لم تنفع, ولكنهما مع ذلك لم ييأسا من روح الله وأكثرا من الاستغفار وبعد ثلاثين سنة من زواجهما, حملت الزوجة, فلا تسأل عن فرحهما وسعادتهما.  

ــــــــــــــــ

لا تيأس من حال أمتك, فالله ناصر دينه, يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:

الحقُّ منصور ومُمتحن, فـــــلا              تعجب فهذي ســـــــنَّةُ الرَّحـمن

 والله ناصر دينه وكتـــــــابــــــــــه              ورسوله في سائر الأزمـــــــــان  

يقول العلامة العثيمين رحمه الله: اليهود والنصارى متفقون على عداوة المسلمين, كل لا يريد الإسلام, ولا يريد أهل الإسلام, ولا يريد عز الإسلام, ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال, فالله تعالى ناصر دينه وكتابه.

لا تيأس من حصول كشف كربك وتحقق مطلوبك مهما كان, واحذر من القنوط, قال العلامة العثيمين رحمه الله: القنوط: أشدّ اليأس لأن الإنسان يقنط ويُبعد الرجاء والأمل بحيث يستعبد حصول مطلوبه أو كشف مكروبه...والقنوط من رحمة الله لا يجوز لأنه سوء ظن بالله عز وجل وذلك من وجهين:

الأول: أنه طعن في قدرته سبحانه, لأن من عَلِمَ أن الله تعالى على كل شيء قدير لم يستبعد شيئاً على قدرة الله.

الثاني: أنه طعن في رحمته سبحانه, لأن من علم أن الله رحيم لا يستبعد أن يرحمه الله سبحانه, ولهذا كان القانط من رحمة الله ضالاً  

ولا ينبغي للإنسان إذا وقع في كربة أن يستبعد حصول مطلوبه أو كشف مكروبه, وكم من إنسان وقع في كربة وظن أن لا نجاة منها, فنجَّاه الله سبحانه."

لا تيأس وإن اشتد الكرب فكلما تعسرت الأمور فانتظر التيسير من الكريم الرحيم, قال الله جل وعلا: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:5-6] قال العلامة السعدي رحمه الله: بشارة عظيمة أنه كلما وجد عسر وصعوبة, فإن اليسر يقربه ويصاحبه, حتى لو دخل جحر ضب لدخل عليه اليسر.

ــــــــــــــــ 

لا تيأس وإن طال زمن البلاء, و تأخر الفرج, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء وتضجر من كثرة الدعاء, فإنك مبتلى البلاء, متعبد بالصبر والدعاء, ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ