اطبع هذه الصفحة


من أقوال السلف في مسائل تتعلق بالبيوت

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فنعمة من الله عز وجل أن يجد الإنسان بيتًا يأويه. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: (( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا, وكفانا وآوانا, فكم ممن لا كافي له, ولا مؤوي )) [أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: قوله: (( فكم ممن لا مؤوي له )) قيل: معناه: لا وطن له, ولا سكن يأوي له.

فعلى المسلم أن يحمد الله عز وجل ويشكره على هذه نعمة السكن, قال العلامة السعدي رحمه الله: يُذكر تعالى عباده بنعمه بهذه النعمة ويستدعى منهم شكروها والاعتراف بها فقال: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: 80] في الدور والقصور ونحوها, تُكنكم من الحرّ والبرد, وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم, وتتخذون منها الغرف والبيوت, التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم, وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم, وغير ذلك من الفوائد المشاهدة. وقال الإمام القرطبي رحمه الله: وهذه الآية فيها تعديد نعم الله تعالى على الناس في البيوت.

للسلف رحمهم الله, أقوال في مسائل تتعلق بالبيوت, اخرتُ بعضًا منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

●   أصغر البيوت:

& قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أصغر البيوت البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء, خرب كخرب البيت الذي لا عامر له.

●   تنوير البيوت:

& قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صلاة الرجل في بيته تطوعاً فهو نور, فنوّروا بيوتكم , وما خير بيت ليس فيه نور.

●   لزوم البيوت, ويتأكد ذلك عند وقوع الفتن:

& قال طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: أقلّ لعيب الرجل لزوم بيته.

& قال أبو الدرداء رضي الله عنه: نعم صومعة الرجل بيته, يكف فيها بصره ولسانه, وإياكم والسوق فإنها تلهي وتلغي.

& قال ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا ينابيع العلم, مصابيح الهدى, أحلاس البيوت, سرج الليل, جدد القلوب, تعرفون في أهل السماء, وتخفون في أهل الأرض.

& وقال رضي الله عنه لابنه: ليسعك بيتك, واملك عليك لسانك, وابكِ من ذكر خطيئتك.

& قال رجل لسفيان الثوري رحمه الله أوصني فقال: هذا زمان السكوت ولزوم البيت

& قال الإمام البربهاري رحمه الله إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك وفرَّ من جوار الفتنة

& كان طاوس رحمه الله يجلس في البيت. فقيل له: لِمَ تكثر الجلوس في البيت ؟ فقال: حيف الأئمة, وفساد الناس.

& قال خليد بن عبدالله العصري رحمه الله: المؤمن لا تلقاه إلا...في مسجد يعمره, أو بيت يستره, أو حاجة من أمر دنياه لا باس بها

& قال قتادة رحمه الله: قلَّ ما ترى المسلم إلا في...مسجد يُعمره أو بيت يُكنه أو ابتغاء رزق من فضل ربه.

ـــــــــــــــ

●   صلاح النساء في البيوت:

& قال الحكيم الترمذي رحمه الله: صلاح خمسة أصناف في خمسة مواطن: صلاح الصبيان في الكتاب, وصلاح الفتيان في العلم, وصلاح الكهول في المساجد, وصلاح النساء في البيوت, وصلاح القطاع في السجن.

●   المؤمن فطن كيس فيتغافل عن أشياء يراها في بيته:

& قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: المؤمن فطن كيس, يدرك الأمور, ويعرفها, ولكن لا يُقصّي الأمور إلى نهاياتها, في بيتك أنت ترى أشياء لا بد فيها من التغافل......قال بعض السلف: الكلمة التي تؤذيك طأطئ لها رأسك, فإنها تتخطاك.

●   القراءة على الملح وذرَّه في البيت حتى لا تقربه الشياطين:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قولهم: إنه إذا قُرِئ على الملحِ, وذُرَّ في البيت لا تقربه الشياطين, هذا خطأ وليس بصحيح, ولا يجوز العمل به.

●   قراءة القرآن في البيوت من أسباب وجود البركة فيها وقلة الشياطين:

& قال العلامة ابن باز رحمه الله: القراءة في البيوت والصلاة فيها,...من القربات, ومما يحبُّه الله عز وجل, وهي سبب من أسباب وجود البركة في البيت, ومن أسباب قلَّة الشياطين فيها, لأنها تنفر من سماع ذِكر الله, فهي تكره سماع الخير وتحبُّ سماع الشر. فكلما كان أهل البيت أكثر قراءةً للقرآن وأكثر مذاكرةً للأحاديث وأكثر ذكراً لله وتسبيحاً وتهليلاً, كان أسلم من الشياطين وأبعد منها وكلما كان البيت مملوءًا بالغفلة, وأسبابها من الأغاني والملاهي والقيل والقال, كان أقرب إلى وجود الشياطين المشجعة على الباطل.  

ــــــــــــــــ

●   عدم خروج الزوجة من بيت زوجها إذا طلَّقها وهي رجعية:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا يجوز للزوج إذا طلَّق زوجته أن يُخرِجَها من بيته، ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إذا طلَّقها إلى انتهاء العِدَّة....يجب أن تبقى المرأة في بيت الزوج، ويحرم على الزوج أن يُخرِجَها، بل تبقى إلى أن تنتهي العِدَّةُ؛ لأن الله بيَّنَ الحِكْمةَ من ذلك؛ فقال: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾[الطلاق:1] رُبَّما إذا بقِيت تغيَّرتْ أخْلاقُها، ورُبَّما إذا بقيت تولَّدَ في قلب الزوج محبَّةٌ لها فيُبقِيها؛ لأنه قيل: أحَبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما مُنِعَ، فرُبَّما إذا طلَّقَها زال ما في قلبه عليها وأبقاها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]فإن قال قائل: إذا بقِيت في بيت الزوج، هل يحلُّ لها أن تكشف وجهها له؟ فالجواب: نعم، يحلُّ أن تكشف وجهها له، ويحلُّ أن تتجمَّل له، ويحِلُّ أن تتطيَّبَ له، ويحِلُّ أن تُكلِّمَه ويُكلِّمَها، ويخلوَ بها، كل هذا جائز؛ لأنها زوجته، فالزوجية لا تزول إذا كان الطلاقُ رجعيًّا، إنما تزول بانتهاء العدة؛ ولهذا نقول: إذا طلَّقَ الإنسانُ زوجتَه طلاقًا رجعيًّا تبقى في البيت.

واقع الناس اليوم أنه إذا طلَّقَ الإنسانُ زوجتَه هَرَبتْ من البيت، ولم تبْقَ به، وهذا حرامٌ عليها، ورُبَّما يخرجها هو بنفسه، وهذا حرامٌ عليه، فإن خرجت هي فهي آثمةٌ، وإن أخرجها هو فهو آثمٌ، تبقى حتى تنتهي العِدَّةُ، ثم تذهب إلى أهلها: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾[الطلاق: 1] سواء كانت هذه الفاحشة عائدة إلى الأخلاق أو المعاملة فإنها حينئذٍ تُخرَجُ من البيت

ولو جاءتنا امرأة تذكُرُ أن زوجها طلَّقها، وقد خرجت من بيته، قُلْنا لها: يجب عليك أن ترجعي إلى بيتك، هذا هو حدُّ الله.

ـــــــــــــــــــــــ

●   فوائد أداء النوافل في البيوت:

& قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: النوافل: الأفضل أن تكون في البيت, وذلك فيه فوائد:

أولاً: أن يعمر البيت بذكر الله, ولا يخلو البيت من ذكر الله.

ثانياً: أنه متى عمّر البيت بالذكر فإنه يكون مطردة للشياطين ومأوى للملائكة والخير

ثالثاً: أنه يكون قدوة حسنة للزوجة, والصغار, ولأهله إذا رأوه يكثر من النوافل, اقتدوا به في هذه النوافل فأكثروا منها.

رابعاً تعليم الأهل...كيفية الصلاة فقد يكون بعض الأولاد أو بعض النساء لا يحسن الصلاة...فإذا صلى ولي أمرهم أمامهم في البيت اقتدوا به وتعلموا صفة الصلاة

خامساً: أن يكون أقرب إلى الإخلاص, وأبعد من الرياء.

●   البيت الذي تسوده المحبة له أثره على الرجل في مستقبل حياته:

& قال العلامة ابن باز رحمه الله: مما لا شك فيه أن البيت الذي تسوده المودة والمحبة والرأفة والتربية الإسلامية سيؤثر على الرجل فيكون بإذن الله موفقاً في أمره ناجحاً في أي عمل يسعي إليه من طلب علم أو كسب تجارة أو زراعة أو غير ذلك من أعمال.

●   إذا ضاعت البيوت ضاع المجتمع كله:

& قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: المرأة إذا خرجت عن طورها, وتولت عملاً غير عملها, هي أولاً: لا تنتج في هذا العمل كما ينبغي, وثانياً: هي تضيع مسؤوليتها ورعيتها المسترعاة عليها أمام الله سبحانه وتعالى, بالتالي يضيع المجتمع بأسره وبيوته, فإذا ضاعت البيوت والأسر ضاع المجتمع كله.

ـــــــــــــــــ

●   جهل من قال: سأجلس في بيتي لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي:

& قيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده, وقال: لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي ؟ فقال: هذا رجل جهل العلم, ألم يسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (( إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي ))   

●   ترك المذياع مفتوحًا على إذاعة القرآن في البيت بحجة طرد الشياطين:

& سئل العلامة العثيمين: امرأة تخرج من البيت وتتركُ المذياع مفتوحاً على إذاعة القرآن الكريم بحُجة طرد الشياطين, فهل هذا وارد ؟

فأجاب رحمه الله: هذا لم يرد, لم تظهر إلا أخيرًا, وهذا لا ينفع في طرد الشياطين, لأن الشياطين إنما تُطرد بالعبادة, وهذا ليس بعبادة, وإنما غاية ما فيه أن الإنسان إذا استمع إليه اتعظ بما في القرآن فقط.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ