اطبع هذه الصفحة


المنتقى من الأذكار الواقية من كل بلاء

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فمن فضل الله الكريم أن رتَّب الأجور الكثيرة، والكنوز العظيمة، والفوائد العديدة، على عبادةٍ من أيسرِ العبادات، وأسهلها على الإنسان، ألا وهي: عبادة ذكر الله عز وجل، التي تطرد الشيطان، وترضي الرحمن، وتزيل الهمَّ والغمَّ والخوف والحزن عن قلب الإنسان، وتجلب له الفرح والسرور، وتقوي بدنه، وتشرح صدره، فطوبي لمن وفَّقه الله، فاستجاب لأمره تعالى في قوله: ﴿ 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، فصار الذكر له سجية على كل أحواله؛ كما قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، فكان ممن اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه؛ [أخرجه مسلم]، وكان من الأحياء لذكره لربه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ الذي يذكر ربهُ، والذي لا يذكرُ ربهُ، مثلُ الحي والميت)؛ [أخرجه البخاري].

وهنيئًا لمن كان لسانه رطبًا بذكر الله عز وجل، ومات ولسانه رطب من ذكر الله، فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلُها، فأخبرني بشيء أتشبتُ به، ولا تكثر عليَّ فأنسى، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ لسانك رطبًا بذكر الله تعالى)؛ [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب]، وعن معاذ بن جبل قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني بأحب الأعمال إلى الله عز وجل؟ قال: (أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله تعالى)؛ [أخرجه البزار]، فما أحسن هذه الخاتمة أن يموت المسلم ولسانه رطب بذكر الله عز وجل، اللهم لا تحرِمنا فضلك، وأحسِن خاتمتنا.

وليعلم أن ذكرَ الله عز وجل غير منحصر في التسبيح والتحميد ونحوها، قال الإمام النووي رحمه الله: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة، فهو ذكر لله تعالى كما قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء.

وينبغي التنبيه أن يحرِص المسلم أن يكون ذكره بلسانه وقلبه، حتى ينال الثواب على وجه الكمال، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وذكرُ الله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما جميعًا، وأفضله ما اجتمع عليه القلبُ واللسان، ولا ينبغي أن يغفل ويسهو قلبه حين ذكر الله عز وجل، فإن روح الذكر حُضور القلب، والذكر بلا حُضُور القلب كالجسد بدون الروح، ليس إلا مجرد هيكل، ولن يحصل له كمال الأجر المرتب على الذكر.

هذا وقد تتابع على التصنيف والتأليف في الذكر وفوائده، علماء الإسلام من المتقدمين والمتأخرين، منهم: الإمام ابن السُّني، والإمام النسائي، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والإمام الشوكاني، والعلامة ابن باز، والعلامة ابن عثيمين، والشيخ سعيد بن علي القحطاني، رحمهم الله جميعًا، فيحسن مراجعة بعض تلك التصانيف، والاستفادة مما جاء فيها من أوارد وأذكار، والتي لا ينبغي للعبد أن يخلَّ بها، لشدة الحاجة إليها، وعظم الانتفاع في الآجل والعاجل بها، فلذكر الله عز وجل فوائد كثيرة، ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه النافع المبارك "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب" أكثر من سبعين فائدة للذكر، منها: أنه ما استُجْلِبت نِعمُ الله عز وجل، واستُدفِعت نِقمُه بمثل ذكر الله تعالى، فالذكر جلَّاب للنعم، دفَّاع للنِّقم.


وقد انتقيت طائفة من الأذكار التي تقي العبد من كل بلاء، وهي:


قراءة آية الكرسي عند النوم:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقرَبك شيطان حتى تصبح)؛ [متفق عليه ]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: حدثني أحد المؤذنين أنه كان يحرص على قراءة آية الكرسي، وأنه نسيها ليلةً من الليالي فلُدغ، وكذلك يجري مثل هذا، فدلَّ ذلك على أن هذه الآية تنفع من شرِّ المخلوقات الأخرى غير شيطان الجن.


قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل:

عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الآيتان من آخر سورة البقرة مَن قرأهما في ليلة كفتاه)؛ [متفق عليه].

قال الإمام النووي رحمه الله: قيل: معناه: كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل الجميع، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قيل: معناه كفتاه من كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقيل: دفعتا عنه شرَّ الإنس والجن.... ويجوز أن يراد جميع ما تقدَّم، والله أعلم.

وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: وقَتاهُ من كل سوء ومكروه، وقال العلامة ابن باز رحمه الله: قوله: (كفتاه)، قيل: من قيام الليل، وقيل: من كل سوءٍ.... فينبغي المحافظة عليهما، وأن المحافظة على ذلك من أسباب كفاية الله من كل سوء.


قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء:


عن عبدالله بن خُبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (قُل: (قُل هو الله أحد، والمعوذتين، حين تمسي، وحيت تصبح، ثلاث مراتٍ، يكفيك من كل شيء)؛ [أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال حسن صحيح].

قال الإمام الشوكاني رحمه الله: وفي الحديث دليل على أن تلاوة هذه السور عند المساء وعند الصباح تكفي التالي من كل شيءٍ يخشى منه كائنًا ما كان.

وقال الإمام شمس الحق العظيم آبادي: (من كل شيء) من كل شر، وقال الإمام السهارنفوري رحمه الله: (من كل شيء)؛ أي: من شر كل مؤذٍ.

قول:
 (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفَظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يمني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)، وذلك في الصباح والمساء.

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي، وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يمني، وعن شمالي، ومِن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)؛ [أخرجه الترمذي وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي مختصرًا].

قال العلامة الطيبي رحمه الله: (العافية) هي دفاع الله عن العبد الأسقام والبلايا، ويندرج تحت قوله: (في الدنيا والآخرة) كل مشنوء ومكروه، وقال العلامة المناوي رحمه الله: قوله: (والعافية في ديني ودنياي) يندرج تحته كل الوقاية من كل مكروه.

وقال العلامة السندي رحمه الله: قوله: (إني أسألك العافية) هي السلامة من الأسقام والبلايا، وقيل: عدم الابتلاء بها، والصبر عليها، والرضا بقضائها، (آمن روعاتي)؛ أي: ادفع عني خوفًا يقلقني ويزعجني، (احفظني من بين يدي)؛ أي: ادفع عني البلاء من الجهات الست؛ لأن كل بلية تصل الإنسان إنما تصله من إحداهن.

وقال: (آمن روعاتي)؛ أي: اجعلني آمنًا من كل يخاف من لحوقه من أنواع الخوف.

وقال الإمام السهارنفوري رحمه الله: (الروعة) الفزع.

وقال العلامة شرف الحق العظيم آبادي رحمه الله: (اللهم أسالك العافية)؛ أي: السلامة من الآفات، (اللهم احفظني)؛ أي: ادفع البلاء عني.

قول
: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم)، وذلك ثلاث مرات في الصباح والمساء.

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضرَّه شيء)؛ [أخرجه ابن ماجه، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح]، ورواه أبو داود بلفظ: (لم تُصبهُ فجأةُ بلاءٍ).

قال الإمام الشوكاني رحمه الله: وفي الحديث دليلٌ على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضرٍّ، كائنًا ما كان، وأنه لا يُصاب في ليله ونهاره، إذا قالها في الليل والنهار، وقال الإمام المباركفوري رحمه الله: (بسم الله)؛ أي: استعين أو أتحفظ من كل مؤذ باسم الله، (الذي لا يضر مع اسمه)؛ أي مع ذكره مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ ونية خالصة، (ولا في السماء) أي من البلاء النازل منها.

قول:
(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، ثلاث مرات، في الصباح والمساء

 
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت عقرب لدغتني البارحة، قال: (أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرَّك)؛ [أخرجه مسلم]، ولفظ الترمذي: (من قال حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرَّه حُمَّة تلك الليلة)، قال سهيل: فكان أهلنا تعلموها، فكانوا يقلونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم، فلم تجد لها وجعًا.

والتامات: قيل النافعات الكافيات الشافيات من كل ما يتعوذ منه.

قول:
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحيى ويُميتُ، وهو كل شيء قدير) عشرات مرات في الصباح.

عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قال في دبر صلاة الفجر، وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحيى ويُميتُ، وهو كل شيء قدير، عشر مرات، كُتبت له عشر حسنات، ومُحي عنه عشر سيئات، وكان يومه في حرزٍ من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغِ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله)؛ [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب]؛ قال الإمام المباركفوري: (من كل مكروه)؛ أي: من الآفات.

اللهم احفظ المسلمين من كل آفة وبلية، ومن كل سوء ومكروه.

 كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ


 

فهد الشويرخ