اطبع هذه الصفحة


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:
فمن فضل الله الكريم أن رتَّب الأجور العظيمة على العبادات اليسيرة؛ فمن ذلك: ما ورد في فضل بعض الأذكار، كالفضل الوارد في: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، فهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ فينبغي للمسلم أن يكثر منهما، وأن يستحضر معانيهما التي ذكرها أهل العلم؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وقوله: (سبحان الله وبحمده) الباء هنا للمصاحبة؛ أي: أُسبِّح الله تسبيحًا مقرونًا بحمده، فيكون جمعًا بين التخلية والتحلية؛ فالتخلية تكون عن صفة العيب، والتحلية تكون بإثبات صفات الكمال، وبذلك يتم الكمال؛ إذ إن الكمال الذي يمكن أن يقترن به عيب ليس كاملًا، ونفي العيب الخالي من الكمال ليس كاملًا، وإنما يتمُّ الكمال بما إذا انتفى النقص، وثبت الكمال، ولهذا جمع بينهما، فقال: (سبحان الله وبحمده)، وقوله: (سبحان الله العظيم) تأكيد لما سبق، والعظيم: ذو العظمة والجلال".

وقال رحمه الله في شرح قول الإمام ابن القيم في النونية وهو "العظيم بكل معنى": "فهو عز وجل عظيم في ذاته، عظيم في صفاته، عظيم في أفعاله".

ومن أراد الأجر الكامل، فليستحضر معانيَ ما يقول من أذكار؛ قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله: "وهذه الأجور العظيمة، والعوائد الجمة، إنما تحصل كاملة لمن قام بحقِّ هذه الكلمات، فأحضر معانيها بقلبه، وتأملها بفهمه، واتضحت له معانيها، وخاض في بحار معرفتها ورتع في رياض زهرتها"
ولا يعني هذا أن من قال الذكر بلسانه ليس له أجر؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الذكر النافع هو ما كان مبنيًّا على ذكر القلب، لكن مطلق الأجر والثواب يحصل بالقول".

وهذا الذكر: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" اشتمل على كلمتين، جاءت النصوص بفضلهما.

فمن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ [متفق عليه]؛ قال الإمام الطيبي رحمه الله: "الخفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان الكلمتين على اللسان بما يخف على الحامل من بعض الأمتعة، فلا تتعبه كالشيء الثقيل".

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: ((خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان)) وصفهما بالخفة والثقل؛ لبيان قلة العمل وكثرة الثواب ... وفي الحديث حثٌّ على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته؛ لأن جميع التكاليف شاقة على النفس، وهذا سهل، ومع ذلك يثقل في الميزان، كما تثقل الأفعال الشاقة، فلا ينبغي التفريط ... وقوله: ((حبيبتان إلى الرحمن)) تثنية حبيبة، وهي المحبوبة، والمراد أن قائلها محبوب من الله، ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم، وخصَّ الرحمن من الأسماء الحسنى؛ للتنبيه على سعة رحمة الله؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل".

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "من فوائد الحديث: فضيلة هذا الذكر: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، والله لو أفنى الإنسان دهره كله في هذا، لكانت رخيصةً؛ لأنهما ثقيلتان في الميزان، وحبيبتان إلى الرحمن، وخفيفتان على اللسان"، وقال رحمه الله: "فينبغي للإنسان أن يكثر من هاتين الكلمتين . فيستطيع أن يقولها كثيرًا وهو يمشي من المسجد إلى بيته

وقال الدكتور عبدالرحمن بن صالح الدهش: "قال بعض العلماء: وينبغي لك إذا سمعت مثل هذا الحديث أن تبادر للعمل فيه، فتتلفظ بما ذُكر مباشرة، ولا تقول: هذا فضل سأعمل به، بل اعمل به الآن؛ لأنه قليل يسير، ولا يأخذ منك وقتًا، وفضله عظيم".

ويمكن للمسلم أن يقول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرة، فيحصل له ثواب هاتين الكلمتين، ويحصل له ثواب حطِّ الخطايا الوارد في حديث: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر))؛ قال العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله: "وهنا فائدة: لو أن الإنسان قال: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) مائة مرة، حصل له الثواب في الحديث: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة)

وقال الإمام المغربي رحمه الله في "البدر التمام شرح بلوغ المرام": "ودلَّ الحديث على أنه ينبغي إدامة هذا الذكر العظيم نفعه، وخفة عمله، وقد تقدم [قلت: سيأتي] فضل سبحان الله مائة مرة وحدها، فإذا أُضيف إليها هذه الكلمة الأخرى، ازداد تحصيل الثواب، وحصل به امتثال قوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ [ق: 39]".

ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))؛ [متفق عليه]؛ قال الإمام الطيبي رحمه الله: "ظاهر الإطلاق يُشعِر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة في يومه، سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس، أو بعضها في أول النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار".

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "هذا يشمل من قالها في أول النهار وآخره، لكن قال العلماء: ينبغي أن يقولها في آخر النهار؛ من أجل أن تكون خطاياه في النهار محطوطة بهذا الذكر".

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "ذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه، إنما هي لأهل الفضل في الدين، والطهارة من الجرائم العظام، وليس لمن أصرَّ على شهواته، وانتهك دين الله وحرماته ... ويشهد له قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21]،
ومن ذلك ما جاء عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله؟ قال: إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده))؛ [أخرجه مسلم]، وفي رواية: ((سُئل: أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان الله وبحمده))؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وهذا محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور به في وقت أو حال ونحو ذلك، فالاشتغال به أفضل، والله أعلم".

ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله: "يدل على أن ذكر الله تعالى أفضلُ الأعمال كلها".

وقد ذكر أهل العلم أن هذا العدد (المائة) ليس من الحدود التي نُهي عن اعتدائها، ومجاوزة أعدادها، فالزيادة عليها لا تبطلها، وفيها زيادة أجر، وفضل من الله.

ومن ذلك ما جاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غُرست له نخلة في الجنة))؛ [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وصححه العلامة الألباني]؛ قال الإمام المناوي رحمه الله: "((غرست له بها نخلة في الجنة))؛ أي: غرست له بكل مرة نخلة فيها، وخصَّ النخيل لكثرة منافعه، وطيب ثمره".

إن لهاتين الكلمتين شأنًا عظيمًا، جعل الحافظ ابن ناصر الدمشقي رحمه الله يصنف فيهما مؤلفًا مستقلًّا، سماه: "التنقيح في حديث التسبيح".

وقد ختم الإمام البخاري رحمه الله كتابه "الجامع الصحيح" بحديثهما؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وهذا الحديث ختم به ... رحمه الله كتابه، والحكمة من ذلك أنهما كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، فأحب أن يختم كتابه بما يحبُّه الله عز وجل".

وقد تأسى به الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، فختم بهذا الحديث كتابه "بلوغ المرام من أدلة الأحكام".

وأختم فأوصي نفسي وإخواني المسلمين بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه؛ حيث قال له: ((يا معاذ، والله إني لأحبك ... أوصيك يا معاذ، لا تدَعَنَّ في دُبُر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))؛ [قال الإمام النووي رحمه الله: رواه أبو داود بإسناد صحيح].
 

 

 كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ


 

فهد الشويرخ