اطبع هذه الصفحة


تسبيح الله عز وجل(*)

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فطوبى لمن كان مُسبحًا مُعظمًا لله عز وجل، فنال الأجور العظيمة، والفوائد الكثيرة، والتسبيح يطلق ويُرادُ به معاني، فمن المعاني التي يُرادُ بها لفظ التسبيح:

الصلاة،
 قال الله عز وجل: ﴿ فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى ﴾ [طه:130] قال الإمام الطبري رحمه الله: ﴿ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ ﴾ يقول: وصلِّ بثنائك على ربك.

الذكر عمومًا،
 قال الله عز وجل: ﴿ فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ المِحرابِ فَأَوحى إِلَيهِم أَن سَبِّحوا بُكرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11]، قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويُرادُ بالتسبيح جنس ذكر الله تعالى، يُقالُ: فلان يسبح، إذا كان يذكر الله، ويدخل في ذلك التهليل والتحميد.

العبادة،
 قال الله عز وجل عن نبيه يونس - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [الصافات: 143] قال الإمام البغوي رحمه الله: قال وهب: من العابدين، وقال العلامة السعدي رحمه الله: أي في وقته السابق بكثرة عبادته لربه.

التنزيه، وهو:
 تنزيه الله عز وجل من كل نقص وعيب، وتنزيه صفاته من مماثلة صفات المخلوقين، وتنزيه أفعاله وأحكامه من العبث والظلم والشر.

وهذا التنزيه يستلزم التعظيم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه والملائكة عليهم الصلاة والسلام يسبحون الله عز وجل تسبيحًا متواصلًا من غير انقطاع ولا فتور، ولا سآمة، قال الله جل جلاله: ﴿ 
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ﴾ [فصلت:38] قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: و (يَسْأَمُونَ) معناه: يملُّون.

فإذا كان هذا هو حال الملائكة الكرام في التسبيح والذكر والعبادة، وقد عصمهم الله من الذنوب والعصيان، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه، وأن يكثر من تسبيح الله تعالى بالليل والنهار.

وعباد الله المؤمنين، وأوليائه المتقين، عمار المساجد، يسبحون الله ويذكرونه، في المساجد، في أول النهار، وفي آخره، وفي داخل الصلاة وخارجها، وقد مدحهم الله عز وجل وأثنى عليهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ 
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:36-37] فهنيئًا لمن كان منهم، وسار في ركبهم.

والتسبيح عبادة لجميع الكائنات، من الحيوانات، والنباتات، والجمادات، كلها تسبح لله عز وجل، قال الله: ﴿ 
سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحديد:1] وقال: ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ ﴾ [الرعد:13] وقال: ﴿ وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ ﴾ [الأنبياء:79] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قرصت نملة نبيًا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله) [متفق عليه] ويقين العبد المسلم أن كل الكائنات تسبح لله عز وجل، دافع ومهيج له على كثرة تسبيح وذكر الله.

 والتسبيح لا ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا، بل يستمر عباد الله المؤمنين بتسبيح الله عز وجل في الجنة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ 
إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهديهِم رَبُّهُم بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ ﴾ [يونس:9-10] قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّـهُمَّ ﴾ أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص، وآخرها: تحميد الله.

فلنكثر من التسبيح في هذه الحياة الدنيا، نسأل الله الرحمن الرحيم أن يجعلنا من عباده الذين سينعمون بتسبيحه في جنات النعيم، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وعلى المسلم أن يستشعر خوف الله وهيبته وإجلاله عندما يُسبحُ بلسانه، قال الله عز وجل: ﴿ 
وَيُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِن خيفَتِهِ ) ﴾ [الرعد: 13] قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وقوله: (وَالمَلائِكَةُ مِن خيفَتِهِ) يقول: وتُسبحُ الملائكة من خيفة الله ورهبته.

والتسبيح يعين على الصبر، 
قال الله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 40] قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله الكفار والتسبيح بحمده جلا وعلا أطراف النهار، قد ذكره الله في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في أخريات طه: ﴿ فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى ﴾ [طه: 130] وأمره له بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به، والصلاة داخلة في التسبيح.

والتسبيح سبب لزوال الكرب،
 قال عز وجل: ﴿ وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ ﴾ [الحجر: 97-98] قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن ترتيبه جل وعلا الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره صلى الله عليه وسلم بسبب ما يقولون له من السوء دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه.

 ولفظ التسبيح، جاء في النصوص مفردًا، (سبحان الله )، وجاء مقرونًا ببعض ألفاظ الذكر الأخرى، كالتحميد، والتهليل، والتكبير، وببعض أسماء الله تعالى وصفاته، وقرن بالاستغفار، وبالدعاء، وقرن التسبيح بالتحميد هو الأكثر ورودًا في نصوص الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالتسبيح قرين التحميد.


ومن فضائل التسبيح المفرد،
 ما جاء في حديث مصعب بن سعد قال:حدثني أبِي قال:كُنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيعجزُ أحدكم أن يكسبَ كل يومٍ ألف حسنةٍ؟) فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: (يُسبحُ مائة تسبيحةٍ فيكتبُ له ألفُ حسنةٍ، أو تُحطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ) [أخرجه مسلم] قال الإمام المباركفوري رحمه الله: (تكتب له ألف حسنة) لأن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها، وهو أقل المضاعفة الموعودة في القرآن بقوله: ﴿ مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثالِها ﴾ [الأنعام: 160].

وقد ورد في التسبيح المقترن بالتحميد فضائل، منها الأتي:


أنه يحط الخطايا وإن كثرت:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)[متفق عليه


أنه أفضل ما يأتي به العبد يوم القيامة:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسى: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه) [أخرجه مسلم ].


أنه أحب الكلام إلى الله عز وجل:

عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله: سبحان وبحمده) [أخرجه مسلم].


أن المسبح تغرس له بكل تسبيحه نخلة في الجنة:

عن جابر رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخله في الجنة) [أخرجه الترمذي].

وفي الختام ما أحسن أن يختم المسلم حياته بالتسبيح والاستغفار، قال الله عز وجل: ﴿ 
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3] قال الإمام البغوي رحمه الله: قال الحسن: أُعلِمَ أنه قد اقترب أجله، فأُمِرَ بالتسبيح والتوبة، ليختم له بالزيادة في العمل الصالح. 

اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واجعلنا من عبادك الذاكرين المسبحين.


[*] استفدت في إعداد هذا المقال من الأطروحة العلمية: «التسبيح في الكتاب والسنة والرد على المفاهيم الخاطئة فيه »، للباحث الدكتور/محمد بن إسحاق كندو، والتي أشرف عليها فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر، فجزاهما الله خير الجزاء.


 كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
 

فهد الشويرخ