اطبع هذه الصفحة


أخيراً.. "العربية" قناة إسلامية!!

حامد خلف العُمري

 
غني عن القول أن قناة العربية من أهم المنابر الليبرالية في العالم العربي , بل يجزم بعض المتابعين لتوجهها بأنه (لا يختلف اثنان على وضوح توجه "العربية" في معظم تغطياتها الإخبارية، وبرامجها الحوارية، وأفلامها الوثائقية، وإعلاناتها التجارية، وحتى في موقعها الإلكتروني، الذي تحول إلى منبر لمنظري الليبرالية الجديدة، بل وأصبح أكثر انحطاطا من الصحافة الصفراء، التي تسعى وراء الربح عبر الفضائح وأخبار الجنس، إذ لا يخفى على كل مدقق، ما ترمي إليه مقالات وأخبار الموقع من نشر لسياسة وثقافة معينة، أهم ملامحها كسر الجليد عن الشذوذ والجنس، وإشاعة "القانون المدني"، بما فيه زواج غير المسلمين من النساء المسلمات، وترويج ثقافة الإحباط وجلد الذات والذوبان في الغرب ) ( 1) .
إلا أن المفاجئ للجميع هو المنحى الديني الجديد الذي نحته القناة مع بداية شهر رمضان المبارك , و اعني بالتحديد البرنامج الوثائقي الذي تبثه بعنوان "السيرة النبوية"
فهل نحن إزاء تحول جديد في سياسة القناة؟ هل أصبحت"العربية" من القنوات الداعية إلى اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم , و التي يأتي في سلم أولوياتها الدعوة إلى الفضيلة؟ هل ينبغي علينا أن ندعو القنوات الإسلامية إلى الاستعداد للمنافسة؟
الواقع أن المتابع لهذه القناة يجد صعوبة في التصديق بهذا التحول المثير! و الحقيقة انه لا يلام في إساءة الظن هذه , ولكن أليس من العدل أن نتأمل في هذا التحول وألا نتسرع في إطلاق الأحكام و اتهام النيات ؟
إن المتابع لحلقات هذا البرنامج يلحظ بجلاء التركيز الشديد على تتبع الآثار المكانية للنبي صلى الله عليه وسلم , دون الآثار القولية أو الفعلية ,ذلك أن البرنامج (و كما تقول القناة) يعنى بتقديم صور حية للمواقع التي حدثت فيها وقائع السيرة منذ مولد صاحبها النبي صلى الله عليه وسلم وحتى وفاته , فمرة يعرض المكان الذي يقال انه قد و قعت فيه حادثة شق الصدر, و مرة يعرض شجرة يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم- ومرافقه ميسرة استراحا تحتها أثناء رحلته إلى الشام بقافلة السيدة خديجة رضي الله عنها , و مرة يعرض مكان يقال أنه مكان مولده .
و المعلوم للجميع , و على فرض صحة نسبة هذه الأماكن ( و التي دون إثباتها خرط القتاد ) , أننا قد نهينا عن تتبع آثار الأنبياء , و قد كان عمر رضي الله ينهى الناس عن ذلك و يقول : " إنما هلك من كان قبلكم بتتبع آثار أنبيائهم " , بل أنه رضي الله عنه أمر بقطع الشجرة التي توهم الناس أنها الشجرة التي بايع الصحابةُ تحتها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة الرضوان (2) , و ذلك حسما للشرك و خوفاً على هذه الأمة من البدع , هذا في زمانه رضي الله عنه فكيف بزماننا الذي فشا فيه الجهل!
إن المتابع لسياسة و نهج هذه القناة لا يستطيع أن يضع الهدف من هذا البرنامج إلا في سياق تنفيذ توصيات تقرير ( راند ) , و الذي جاء فيه صراحة : " إن الحل يكمن في محاربة واستئصال الأصوليين والقضاء عليهم, وذلك لأنهم يلتزمون بالتفسير الدقيق للقرآن , وفي هذا الإطار يجب دعم و تشجيع الاتجاهات الصوفية وغيرها " (3) , و لو أن القناة جادة في حبها للرسول صلى الله عليه وسلم و ما جاء به لتخلت عن منهجها الليبرالي الداعي إلى التفلت من القيم و الفضيلة , و الذي جعل من نشرات الأخبار فيها , و بسبب ما يتخللها من مشاهد ساخنة , أشد خطورة على الأخلاق من كثير من الأفلام الأجنبية!



---------------------------------
1) مقال : قناة العربية تصرح بميولها المارونية.
2) الطبقات الكبرى (2/100( & اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/306)
3) تقرير بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) - فبراير 2005.
 

حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية