اطبع هذه الصفحة


السنة و الشيعة .. تعايش لا تقارب

حامد خلف العُمري

 
 اطلعت على المقال الذي خطه يراع الكاتب الكبير صاحب الفكر المستنير الدكتور: عبدالعزيز قاسم , حفظه الله ووفقه , وذلك في بارقته المتميزة , بتاريخ 23/12/1427هـ, بعنوان ( من وحي إعدام صدام ), والذي تطرق فيه لبعض الدروس المستفادة من هذا الحدث وكذلك مشاعره تجاه ما صاحب عملية الإعدام من شعارات طائفية, وقد كان المقال في جملته مقالاً رائعاً أتفق مع كاتبه في أغلب ما أورده من نقاط , غير أني أستسمح أستاذنا العزيز في التعليق على بعض ما ورد من فقرات في ذلك المقال الشيق, راجياً أن يوفقني الله و إياه للصواب, فمن ذلك ما قاله وفقه الله بأنه لازال ممن ( يؤمن بالتقارب الطائفي ), وقوله: ( الأكيد أن ما يحدث في العراق قد أصاب التقارب بثلمة كبيرة, وأخشى أن يكون قد أصيب في مقتل بعد ما حدث من شماتة طائفية في إعدام صدام ) , وما ختم به مقاتله من مطالبة لـ( عقلاء الشيعة من أمثال الشيخ محمد حسين فضل الله وآية الله التسخيري و الشيخ حسن الصفار ممن باشروا مسألة التقريب مع السنة بضرورة استنكار ما حدث و إيضاح موقفهم بجلاء مما يحدث في العراق من مذابح ... ).

فأقول مستعيناً بالله :
إنني أستغرب كثيراً أن يكون بين عوام السنة اليوم من لازال يؤمن بفكرة التقارب الطائفي بين السنة والشيعة فضلاً عن مثقفيها , وذلك لأن هذه الفكرة لم تكن تحتاج يوماًً لما ذكره كاتبنا الفاضل من أحداث حتى تصاب في مقتل , لأنها قد ولدت ميتة في الأصل! ولأنها فكرة غير واقعية, ويعرف ذلك من يدرك بجلاء حجم الخلاف بين السنة والشيعة , وكذلك الآلية التي يتعامل بها الشيعة مع هذه الفكرة , فالخلاف بين الفريقين أكبر من أن يستطيع أحدٌ من السنة أو الشيعة القفز فوقه وليس هذا مقام التفصيل فيه, ولذلك فقد كان من الطبيعي أن تكون نتيجة هذا التقارب الموهوم بين الطرفين على مدى سنوات طويلة هو مقتل 1.1 مليون عراقي 90% منهم من العرب السنة, بالإضافة إلى تهجير أكثر من 6 ملايين خارج العراق و 3 ملايين داخل العراق ممن لا يملكون الحد الأدنى من الكسب , بالإضافة إلى وجود 93 ألف في سجون المنطقة الخضراء (1) ، في ظل مباركة ( علنية أحياناً و صامتةٌ أحياناً أخرى ) من المرجعيات الشيعية, فهل يمكننا التحدث عن هذا التقارب الموهوم بعد هذه الإحصائية المذهلة و التي لا يضاهيها في الشناعة و الفضاعة إلا ما ذكر عن معاناة أهل السنة في إيران في بداية عهد الدولة الصفوية و الذين أجبروا على اعتناق المذهب الأمامي بعد أن قتل الشاه إسماعيل مليون إنسان سني في بضع سنين(2), حيث كانوا يقتلون بطريقة همجية شبيهة بما يحدث الآن في العراق ( وإن كانت لا توازيها في الشناعة) , فقد كان ( القزلباشية) في مطلع العهد الصفوي يجوبون شوارع وأزقة المدن وهم يصيحون بصوت واحد: اللعنة على أبي بكر، اللعنة على عمر، وكان يتعيّن على المارّة أن يردّدوا هذا الشعار معهم ، وكل من يتردّد في ذلك سيغرز الحراس حرابهم في صدره لإخراجه من حالة الشك والتردّد (3)، وحتى لا يظن البعض أني مبالغاً أو متشائماً , أو أني أمارس التنظير اعتماداً على ملفات وحوادث تاريخية ينبغي الإنعتاق من أسرها, فإني سأنقل لكم كلام أحد الذين باشروا هذه الفكرة من علماء أهل السنة المعاصرين والذي أمضى في ذلك ما يقارب العقد من الزمان و نال على ذلك جائزة تكريمية من إيران , ألا وهو العالم السوري الشيخ وهبة الزحيلي , فقد خرج و بعد عشرة أعوام في لجان التقريب بين السنة والشيعة بنتيجة مفادها أن فكرة التقارب بين السنة والشيعة إنما هي ذر للرماد في العيون، وأن مقصودها تشييع السنة.وكذلك فقد وافقه في هذا الرأي عالمٌ آخر من علماء أهل السنة ما فتئ يدعو بإخلاص إلى اجتماع السنة والشيعة، ويرفض نقد الشيعة وبيان مخالفتهم للسنة، ألا وهو الشيخ يوسف القرضاوي(4), بل أنه أعلن قبل أشهر صراحة في نقابة الصحفيين المصريين: أن أغلب الشيعة يؤمنون بأن القرآن ناقص، وأنهم لا زالوا يتقربون إلى الله بسب ولعن الصحابة رضوان الله عليهم. فهل بعد هذا يمكن لنا أن ننادي بفكرة التقريب بين الفريقين!! وختاماً أود الإشارة إلى أن ما ينبغي علينا الدعوة إليه هو (التعايش ) وليس (التقارب), و أظن أن هذا لا يتعارض مع ما قصده الكاتب من الحرص على وحدة المسلمين و كذلك على وحدة الصف الوطني , كما أن هذا لا يعني الدعوة لقتال هؤلاء أو الاعتداء عليهم, بل هي دعوة إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا و أمتنا وأن لا نتعامى عن حجم الخلاف بين الفريقين , وكذلك أن نكف عن مطالبة غيرنا بالوضوح في قضايا هي أوضح من الشمس في رابعة النهار , ولن يفيد في التعتيم عليها ( تقية ) أحد كائناً من كان , والله أعلم , والحمد لله رب العالمين,,،

--------
(1) جريدة الوطن السعودية , عدد ( 2292) نقلاً عن ممثل القوى الوطنية العراقية في البرلمان العراقي.
(2) "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" (1/43-50)، د. علي الوردي، كاتب شيعي.
(3) " التشيع العلوي و التشيع الصفوي ", د . على شريعتي , فيلسوف إيراني شيعي.
(4) كان ذلك خلال ندوة على هامش المؤتمر الثاني للأوقاف, و الذي أقيم بجامعة أم القرى بمكة في الفترة من 18-20 ذو القعدة 1427هـ

 

حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية