اطبع هذه الصفحة


سوريا و الحل الأخير!

حامد خلف العُمري

 
يُشكل على البعض الجمع بين موقف الدول الغربية ( أمريكا و الاتحاد الأوربي) المعلن من الثورة السورية , و الذي يبدو مؤيدا للثوار , و بين موقفها على الأرض , و المتمثل في عدم التحرك جديا لوقف ممارسات إيران , وجرائمها الوحشية اليومية التي يرتكبها قطعان الشبيحة النصيريين و مليشيات الغدر الشيعية العراقية , بالإضافة إلى عناصر الحرس الثوري الإيراني و حزب الله , غير أن أدنى من له إلمام بترتيبات الوضع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط يسهل عليه تفسير تلك المواقف .
فمن المعلوم أن مصلحة تلك الدول هي في بقاء نظام بشار الأسد ( الإيراني ) , و ذلك لأسباب أقلها أهمية الحفاظ على أمن إسرائيل , و الذي برهن ذلك النظام , على مدى أربعين عام , انه أفضل نظام يمكنه القيام بذلك .

إذاً فما الذي يدفع تلك الدول إلى إعلان موقفها المناهض لنظام بشار الأسد؟
قبل الإجابة على هذا السؤال , ينبغي التذكير بأن تلك الدول تأخرت كثيراً في الإعلان عن ذلك الموقف , غير أن تسارع الأوضاع هناك و اتساع رقعة الاحتجاجات أكد لتلك الدول أن الرهان على بقاء ذلك النظام رهان شبه خاسر , فكان الخيار الأمثل هو عملية إبطاء تسارع تلك الثورة و محاولة احتوائها و تفريغها من أهدافها , عبر سياسة اللعب على الحبال !
فبينما يستمر الساسة الغربيون في التأكيد على ضرورة تنحي الأسد , و القول بأنه فقد شرعيته , بل الدعوة إلى عقد المؤتمرات و تأسيس مجموعات تزعم صداقة و مساعدة الشعب السوري , يتم في الجانب الآخر معارضة و إفشال أي تحرك أو خطوة عملية لنصرة الثورة السورية , و خير شاهد على ذلك التملص من فكرة تسليح المعارضة , و محاولة إقناع العالم , بمن فيهم بعض أطياف المعارضة السورية , بعدم جدوى ذلك الخيار , و هذا ما دفع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى القول إن قيام الولايات المتحدة بتسليح المعارضة السورية يمكن أن يؤدي إلى دعم تنظيم القاعدة وحركة حماس بطريقة غير مباشرة.

إن مواقف الدول الغربية من الثورة السورية لا تختلف كثيراً عن موقفي روسيا و الصين , غير أن الأخيرتين قبلتا بتحمل تبعات المجاهرة بموقفيهما لأن روسيا تراهن في المقام الأول على علاقتها بإيران و أتباعها ( أكبر مستوردي السلاح لديها في المنطقة [1]) أكثر من مراهنتها على علاقتها ببقية الدول العربية , و التي لا تصدر لهم في الغالب سوى العاهرات , بينما تشاركها الصين الرغبة في ابتزاز تلك الدول ( الخليجية خصوصاً ) و إجبارها بطريقة أو بأخرى على شراء موقفها , عبر عقود نفطية أو مليارات مباشرة , كتلك التي تسلمتها موسكو مقابل موقفها من حرب الخليج الثانية , غير أن ما يميز دول الغرب هو شعورها بالقدرة على مخادعة السوريين عبر مسلسل التصريحات و المؤتمرات و محاولة إلهاء قادة المعارضة ( المتنازعون أصلاً ) و تشتيت مواقفهم , انتظاراً لحسمٍ ميداني- بات أكثر إلحاحاً من ذي قبل - يضع الثوار أمام الأمر الواقع , لذلك فلا غرابة أن يقف العالم متفرجاً على ما يحدث من جرائم في حمص و غيرها . أما إذا لم ينجح النظام في الحسم و تحتم عليه الخروج , فعلى الأقل ستكون تكلفة خروجه من السلطة باهظة , بحيث ستكون مهمة تضميد جراح الشعب و إعادة بناء البلد شاغلةً لأي سلطة قادمة لعشرات السنين , ما يعني في الأخير تأخر قيام أي مشروع سني عربي و ضمان أمن اسرائيل و لو إلى حين.

من كل ما سبق يتضح أن التعويل على مواقف الدول الغربية عموماً و انتظار دورها الإيجابي لحل الأزمة السورية هو أشبه بالتعويل على خيوط سراب تراءت لعطشان في نهاية الطريق , لأن أفضل سيناريو يمكن أن توافق عليه تلك الدول – إذا تأكدت من نجاح الثورة - هو السيناريو اليمني , حيث تتم التضحية بالرئيس مع إعطائه الحصانات اللازمة , أما النظام فسيبقى ما بقيت إيران , لأنه بالنسبة لها مسألة حياة أو موت .

إذاً , ما هي الخيارات المتاحة أمام الثوار السوريين , و ما هو السيناريو المحتمل للثورة السورية؟
من الواضح أن الشعب السوري قد أدرك أنه لا خيار لديه لإنجاح ثورته , و للتخلص من التسلط و الإذلال الفارسي النصيري , سوى حمل السلاح و إعلان الجهاد و دعم الجيش الحر , و لذلك فإن المتحتم عليه هو عدم الانتظار كثيراً لأي دعم أممي أو عربي , فمن يملك القدرة على تسليحهم لا يريد ذلك و من يريد لا يملك القدرة!
و أما بالنسبة للسيناريو المتوقع للثورة السورية , فإن من أفضل ما يقال هنا , مقولة لأحد العلماء , حيث قال : ( ما حدث في تونس ومصر وليبيا خارج عن حُسبان البشر، ويُريدون أن تكون سوريا وفق حساباتهم، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون( [2]

فيا أهلنا المجاهدون في سوريا :
اجعلوا من سوريا ناراً تلظى على المجوس و عبيدهم ( النصيريين ) , و لتقاتل المرأة قبل الرجل , و الصغير قبل الكبير , فإن من قتل دون ماله و عرضه فهو شهيد , ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم) التوبة 14, تسلحوا بما تستطيعون, واعلموا أن الله معكم , و أنه لا يطلب منكم ضرورة التساوي مع العدو في القوة العسكرية , فلقد قال:( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) الأنفال
يا من تكفل الله بهم لنبيه صلى الله عليه و سلم , ( لا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ) , (َو لا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142( آل عمران.
بقي أن أقول , لئن كان الغرب أدهى أعداء الأمة , فإن إيران أشرس أعدائها و أكثرهم وحشية و دموية و أشدهم حرصاً على إبادتها , و ما ظنك بدولة جمعت بين حقدين ديني و عرقي .
اللهم انصر أهلنا في الشام و استر عوراتهم و آمن خوفهم و اطعم جائعهم.. آمين.

حامد العمري
Hamid.alumary@gmail.com


------------------------------
[1] انظر مقال بعنوان : "سمعة السلاح الروسي أهم من إيران" , د. إينا ميخائيلوفنا، رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي.
[2] الشيخ عبد العزيز الطريفي / تويتر.

 

حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية