اطبع هذه الصفحة


حكاية الكاتب المشهور!

حامد خلف العُمري

 
بينما كان يسير في أحد الشوارع الضيقة و المظلمة , إذ رأى إعلانا معلقاً على أحد الجدران , اقترب منه فإذا هو إعلان عن دورة بعنوان :( كيف تصبح مشهوراً ؟) , ضحك بيأسٍ وتمتم مكملاً سيره : مشهور! مشهور!

توقف فجأة و عاد و نظر إلى الإعلان مرة أخرى , فكر قليلاً و قال لنفسه : و ما المانع إن أكون مشهوراً ؟ ثم نظر إلى موعد الدورة جيداً حتى يحفظه , و عاد مجدداً للسير نحو نهاية ذلك الشارع المظلم و هو يتخيل كيف سيكون شخص مشهور , أخذ يحدث نفسه : ربما عليَّ أن أصبح مخترعا بارعا أو طبيباً حاذقاً, أو ربما عليَّ أن أصبح لاعباً ماهراً أو فناناً عذب الصوت ! لكن ولماذا أستعجل الأمر ؟ دعني أحضر هذه الدورة و عندها ربما سأكتشف أن الأمر أسهل من ذلك!

و لسوء الحظ , نسي أن يضبط الوقت جيداً فحضر متأخراً , و بعد دفع الرسوم المحددة كاملةً دخل فوجد أن السامر يكاد أن ينفض , لكنه أدرك بعض كلام ذلك المدرب , و مما قاله : (أعود و أذكر , طريق الشهرة الصحيح هو أن تكتشف قدراتك و مواهبك جيداً , ثم تعرف كيف توظفها , و بعد ذلك تنميهاً) , ثم ما لبث أن أنهى ذلك المدرب تلك الحصة التدريبية متمنياً للجميع الاستفادة .

حزن كثيراً و شعر بالغبن خاصة و انه دفع الرسوم كاملة , و فجأة تقدم نحو المدرب و صاح به : لو سمحت, أنا دفعت الرسوم كاملة و لم أسمع منك سوى عبارتك الأخيرة , أريد فلوسي , أو أخبرني متى تعيد هذه الدورة؟

ابتسم المدرب , و قال : هدئ أعصابك , أنا مستعد أن أعيد لك كل ما قلت الآن ! , فَغَرَ فاه مستغرباً و فرحاً و قال : كيف؟ .. متى؟ ..قصدي شكراً !

أجلسه المدرب و قال له : باختصار , كل ما قلته في الدورة هو العبارة التي سمعتها ! , نظر إليه باستغراب وقال : كيف؟ قال المدرب : أخبرني عن أهم موهبة أو مهارة تمتلكها ؟ , فكر قليلا ثم قال : لا أدري , قال المدرب : تذكر , قال: لا أتذكر , قال المدرب : ألا يوجد لديك أي موهبة ؟ قال : تريد الصدق؟ لا يوجد ! , قال المدرب : انصرف فأنت ميئوس منك !

وقعت هذه الكلمة كالصاعقة عليه , و فجأة انطلقت من فيه أقذع كلمات السب و اللعن , و آخر ما اخترعه السوقة من أصناف الشتم لهذا المدرب , كل ذلك و الناس ينظرون إليه !

ضحك المدرب وصاح : قف , أنت موهوب فعلاً ! حتماً ستكون مشهور!!

لم يستوضح ما قاله و ظن أنه يستهزئ به وواصل إطلاق القذائف ( عليه و على اللي خلفوه )

عندها كرر المدرب العبارة و قال: أنت تقف على أول الطريق في عالم الشهرة ! فقط اسمعني . صمت و قد عاوده الأمل مجددا , لكن الغضب لا زال يسري في عروقه و أوصاله , و بعد أخذ نفس عميق استطاع أن يسأل المدرب : كيف ؟

قال المدرب : أنت بإمكانك أن تصبح كاتبا مشهورا , بل و محللاً تظهر في أشهر القنوات الفضائية ! عندها لم يتمالك نفسه في ظل هذه السخرية , و صاح ( أبغى فلوسي ) , قال المدرب : كفى يا أحمق , أنا اعني ما أقول , أنت أروع طويل لسان في العالم!

لم يستطع الإنكار , لكنه قال : و ما دخل ذلك في الكتابة و الشهرة ؟

أجاب المدرب: هذا أهم ميزة تستطيع من خلالها أن تصبح كاتباً مشهوراً! ألا تعلم أن الكثير من الكتاب لم يشهرهم سوى هذه الميزة؟ ثم استدرك و قال : ليس كلهم بالطبع فهناك كتَّاب محترمون , لكن أعني شريحة كبيرة منهم.

قال : انظر ما تقول يا سعادة المدرب! , قال المدرب : (خذ العلم) من شخص متخصص في اكتشاف المواهب (و لا تفتح فمك) حتى انتهي .

لم يستطع حتى أن يقول نعم من شدة الإشفاق و التلهف , بل أومأ برأسه نعم .

قال المدرب : يا صاحبي كل ما عليك أن أردت أن تستغل موهبة طول اللسان و عدم الحياء هو أن تكتب مقالا تهاجم فيه عالماً من العلماء , أو تستهزئ بحكم شرعي , أو أن تدعو إلى أمر مرفوض اجتماعياً و دينياً و لا تنسى أن تتغنى بحب الوطن قطعاً للشك, المهم الجرأة و الشجاعة , و ما عليك!

قال : ثم ماذا؟ , قال : بعدها ترسله لإحدى الصحف المحلية , وهي بالطبع ستنشره , عندها سيقوم ( المطاوعة) بالباقي!

قال : عجيب .. كيف؟

قال: ( المطاوعة ) هم من سيشهرك فعلاً, ستمتلئ المنتديات باسمك , و ستصبح سيرتك في كل مجلس!

قال: بالمدح؟, قال : لا يا مؤدب .. بل باللعن ! لن يتركوك في مكانك المظلم , بل سيقولون و في أهم مواقعهم : الخبيث فلان يتحدى الشيخ فلان ! لكن هذا لا يهم , المهم انك ستصبح مشهور مثل (أعرابي زمزم ) , قال : و ما قصته ؟ , قال : ما عليك , المهم كلها مقالين و ثلاثة , بعدها ستتصل عليك إحدى القنوات الفضائية لتشارك في برنامج بعنوان: ( دور الصحوة في هبوط الأسهم ) و آخر بعنوان : ( لماذا لا يُنسب بعض الأولاد للمرأة مساواة بالرجل؟ ), وسيكتبون تحت صورتك ( مفكر و خبير و باحث في دوغمائية التحولات الفكرية المعاصرة )

ضحك و قال : (جبتها و الله) , لكن هناك مشكلة ! قال وما هي ؟ قال : هل الوزارة ستسمح للصحف بنشر مقالاتي بتلك المواصفات؟

نزل هذا السؤال كالصاعقة على المدرب , ووجم و صمت طويلاً حيث لم يخطر على باله مطلقاً, و فجأة قال : آسف , أنت لن تصبح مشهور يا صديقي !

قال بحسرة : و لماذا؟

قال: تذكرت , فالوزارة لا تسمح بنشر المقالات التي تمس بالعلماء أو الأحكام الشرعية , و تعاقب أي كاتب تسول له نفسه أن يتطاول على الثوابت بل وتقدمه للمحاكمة , و لا تسمح سوى بنشر المقالات الهادفة .

وهنا , صاح مجددا و بدأ في استغلال موهبته عبرعزف شتائمي قبيح , و هو يردد ( أبغى فلوسي .. جيبوا فلوسي ).

 

حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية