اطبع هذه الصفحة


مسرح الأحزان
ضحية الطلاق

محمد بن سرّار اليامي

 
وقفت على الباب ...
وإذا بيد والدي تهوي كالشهاب على ظهر أمي ..
يالله ... والدي يضرب أمي ..
أمي تنهار باكية ...
كلمات غريبة أطلقها والدي على والدتي ، ولأول مرة أسمعها ..
لم أكن أعلم أن هذه الكلمات مفتاح مأساتي ...
خرجت أمي من البيت تحمل حقائبها ..وبقيت مع اخوتي في البيت بعد أن رفض والدي أشد الرفض أن نخرج لأخوالنا ..
لم أكن أعلم أن هذه المرة هي آخر مرة أرى فيها أمي ...
طالت الغيبة ...
أماه ... أراك في كل صباح .. مازلت في قلبي ذكرى خالدة .. في كل شيء أراك ...
أماه ... لا أستسيغ طعاماُ إلا من يديك ... لا أرتمي إلا في أحضانك..
لا أبكي إلا على ذراعيك ... لا أبوح بما تحمل الروح إلا إليك ...
ما هو ذنبي أن أكون يتيمة وأمي على قيد الحياة ...

آهٍ ... يا أماه ...
من يمسح الدمعة ..
من يطفئ اللوعة ..
من يواســـــي ..

من يحمل عن قلبي الصغير المآسي ...
كانت رؤيتك في كل لحظة تُعدُّ حُلماً أتمنى تحققه...
كم بكيت وبكيت ، ولكن دون جدوى ، لعل القلوب المحيطة قد قُدّت من صخر ... أقرب هذه القلوب ، وليس بقريب ..
فعلاً هو ذلك الوالد الذي دفن طفولتي وحطم براءتي ..
بل عشت حقبة من الزمن في مسرح الأحزان ...
يا والدي موعدنا غداً ...
عند جبار منتقم ، يخفض القسط ويرفعه ...
يا والدي .. لا أجد ما أفعله تجاه ظلمك وتعسفك ، وجورك ، وحرمانك لي من الصدر الحنون .... لا أجد حيلاً ولا قوة ..
تعلم يا أبي رقة مشاعري ....
تعلم يا أبي همسة خواطري ...
تعلم يا أبي أني ممن يُنشأ في الحلية ، وأني في الخصام غير مبينة كما أخبر الله جل في علاه ...
يا والدي خذها مني لوعة ..
يا والدي خذها مني حسرة ..
يا والدي لقد عقدت العزم على أن يكون سلا حي الوحيد هو ترك قوام البدن والإعراض عن الطعام ..
وهل يلذ لي طعام ...، أو يهنأ لي منام .. وقد حرمت قلبي من أعظم ما يملك ... حرمتني من " أمي " ..

واللـــه ... لا آكل ...
واللـــه ... لا آكل...
واللـــه ... لا آكل...

هاج شوقاً فراقك الأحبابا      فتناسيتَ أو نسيت الصحابا

حتى أرى نور منزلنا ...
وقرة عيوننا ...
هذا سلاحي ....، وهذه دموعي ..
فويل للقلوب القاسية ...
في غفلتها بملذاتها عني ناسية ..
والـــــــدي ...
أنت من أوقد فتيل الفتنة ..
وأنت من شبّ نار الفراق وأضرمها .. والعجب أنني رغم هذا الإضراب لا تأبه لي ...

لا ببسمة ...
لا بهمسة ...
لا بحنان ...
لا بعطف ...

وتعلم أني قد تعرضت لزلزالٍ عاطفي ... إنها أمي ...
والدي ... إن أحشائي يمزقها الجوع ...
وإن أوصالي يقطعها التعب ..
وأنت مع زوجتك الجديدة ... تهنأ بحياة سعيدة ..
ولكني بعد هذا ...
أرى الثبات والصبر على هذا حتى ولو كانت نفسي هي الثمن ..
ولقد خرجت على عادتك مع الزوجة الجديدة ... بعد أن أوسعتني ضرباً ، وأغلقت دوني الباب ... وتركت الهموم تحاصر قلبي ، والجوع يعتصر بدني المضنى ..
حتى إذا دنت المنية ، وأتى أمر الله نظرت في السماء ، ثم ختمت العمر بالدعاء. .
نعم بالدعاء ، ولكن على من حرمني أصل الحنان ومعدنه ..
وداعاً يا دميتي .. فليس لك أي ذنب..
وداعاً ياأمّه .. والملتقى غدنا ..
وداعاً يا حجرة ضمت الآلام والأحزان ..
وداعاً غرفة الأحزان ..
وداعاً مسرح الأحزان ..
وداعاً أيها الظالم ... والملتقى غَدُنا..
غداً ... أنتصف منك...

فأعِدَّ للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً ...
وداعاً يا دنيا ... ما أرخصك في عيون البائسين ... لا إله إلا الله ..

يا كرام يا بررة ...
هذه المأساة ... حقيقة لا خيال .. نُشرة في الصحف السيارة .. لفتاة أسمها سميرة ..
يا سادة...
حاسبوا ألسنتكم على كل عبارة وكل لفظ ... فلربما كانت المأساة تنطلق من أفواهنا ..
هذه سميرة ..، ومعها ألف سميرة ... شمعة أطفأتها القلوب القاسية .. ماتت هذه الطفلة الصغيرة ....، وأسلمت الروح للخالق جل وعز ..
وبعد ليلة حافلة ، وأمسية حالمة يدخل ذلك الرجل الظالم ... الذي طالما جرّع هذا البدن الهزيل الويل والثبور .. وإذا بجسد الطفلة قد ذبل في وسط المنزل ، وقد خلفت أحزانها ورحلت ... نعم رحلت ...سميرة
بحزنها ..
بجوعها ..
بهمها ..
بغمها ..
حملت عريضة التظلم ..
لتنشرها بين يدي الجبار جل في علاه ..
والجاني فيها هو والدها ..
فهل يعي كرام الرجال مصائب الطلاق وأخطاره..
وداعاً سميرة ..
نلقاك غداً ..
ليكون مشهد الإنصاف ..
رحمك الله ...
كم من سميرة في مجتمعنا تعيش ما عشتي .. وتتجرع ما تجرعتي ..
ولكن إلى محكمة عدلٍ عظمى لأخذ الحق من كل ظالم ...
رحمك الله يا سميرة..
يا ليت شعري وهمُّ المرء ينصبهُ المرء ليس له في العيش تحريز
هل أجزينكم يوماً بقرضكــــــــم والقرض بالقرض مجزي ومجلوزُ

آه يا سميرة .....
يا عين جودي بدمع منك هتاناً
بكي سميرة حُزناً ليس سلوانا
وداعاً على خشبة مسرح الأحزان ...
نبكيك بدمع هتان ...

تمت
 

محمد اليامي
  • رسائل دعوية
  • رسائل موسمية
  • فوائد من الكتب
  • المتميزة
  • كتب دعوية
  • الصفحة الرئيسية