اطبع هذه الصفحة


وصايا للخطيب(4) : كم رصيدك من العلم والثقافة؟

د.أمير بن محمد المدري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا يمارس الخطيب وظيفته من فراغ. . فلا بد من مصادر ثقافية تُحيي قلبه، وتمده بثروة من المعاني والحلول اللازمة لمشاكل الفرد والمجتمع.

وهي مناهل يغترف منها، ليقدمها بدوره شراباً سائغاً للشاربين. فإذا لم يجدد الخطيب حياته بزادٍ متجدد من المعرفة. . يواكب الحياة ومتغيراتها. . فسوف يكرر نفسه دائماً.

وهذا أساس لا بد منه حتى يجد الناس عند الخطيب إجابة التساؤلات، وحلول المشكلات إضافة إلى ذلك هو العدَّة التي بها يعلِّم الخطيب الداعية الناس أحكام الشرع، ويبصرهم بحقائق الواقع، وبه أيضاً يكون الخطيب قادراً على الإقناع وتفنيد الشبهات، ومتقناً في العرض، ومبدعاً في التوعية والتوجيه.

ولا بد ليكون الكلام مُقنعاً أن يشتمل على حجج وبراهين وأدلة يستطيع بها الخطيب أن يبرهن على صحة دعواه وصواب ما يريد، ولا يكون هذا إلا بالاطلاع وطلب العلم ومعايشة الواقع.

أخي الخطيب: «إن جماهير الأمة المسلمة اليوم تتطلع إلى خطاب إسلامي أصيل وعصري، يقتبس من مشكاة الوحي، ويتابع خطوات الحياة، ويسلط أشعة الشريعة الغراء على قضايا العصر ومستجدات الأحداث ومتغيرات الواقع التي يقف المسلم إزاءها في حيرة بين القبول والرد. ويعالج كل هذه القضايا بروح من وسطية الإسلام وشموليته، وتميز منهجه في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وتفرد قواعده الأصولية وأحكامه الفقهية في القدرة على وصف واستنباط الحلول لمشكلات الحياة البشرية كلها»[ مقال بعنوان: «دعاة لا يعرفون القراءة» صالح أحمد البوريني] ، ولا شك أن هذا الخطاب لا يتأتى إلا لمن تعاهد نفسه بالتثقيف المستمر، واعتنى بالقراءة والمتابعة والاطلاع، «والدعوة عطاء وإنفاق، ومن لم يكن عنده علم ولا ثقافة. كيف يُعطي غيره. وفاقد الشيء لا يعطيه. ومن لا يملك النصاب كيف يُزكي»[«ثقافة الداعية» يوسف القرضاوي (ص 7)].

وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلاَّ بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد من كمال الدعوة من البلوغ في العلم على حد يصل إليه السعي.

وإذا نال الخطيب حظاً وافياً من العلم واندرج في سلك طلبة العلم فإنه يكون في مجتمعه نبراساً يهتدي به كما قال ابن القيم –رحمه الله- عن الفقهاء وطلبة العلم:
«إنهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يُهتدى في الظلماء، حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء، ولو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين والالتحاق بعالم الملائكة لكفى به شرفاً وفضلاً، فكيف وعزّ الدنيا والآخرة منوط به مشروط بحصوله».

وعندما يتحرك الداعية ناشراً علمه ساعياً بين الناس بالإصلاح ناعياً عليهم الغفلة والفساد، فإنه يحظى بشرف الوصف الذي ذكره الإمام أحمد –رحمه الله- حين قال:
«الحمد لله الذي جعل في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائه قد هَدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم، وأهل العلم والبصيرة من الدعاة شهد التاريخ أنهمهم من اهتدى بهم الحائر، وسار بهم الواقف، وأقبل بهم المعرض، وكمُل بهم الناقص، ورجع بهم الناكص، وتقوَّى بهم الضعيف».

«فإذا كنت - أيها الأخ الكريم - ترغب في سمو القدر، ونباهة الذكر، وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزاً لا تثلمه الليالي والأيام، ولا تتحيَّفه الدهور والأعوام، وهيبة بغير سلطان، وغنى بلا مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعواناً بغير أجر، وجنُداً بلا ديوان وفرض، فعليك بالعلم فاطلبه في مظانه تأتك المنافع عفواً وتلق ما يعتمد منه صفواً» [أبو هلال العسكري «الحث على طلب العلم»].
فالعلم هو روح حياة الداعية وسر حركته وقوة دفعة ودلالة فضله ورحم الله الإمام علي-رضي الله عنه- حيث يقول:

ما الفضلٍ إلا لأهل العلم أنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وفضل كل أمريء ما كان يُحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلمٍ تعش حياً به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء
 

وصايا للخطباء(5) : اقرءوا يا معشر الخطباء
 

أمير المدري
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية