صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وصايا للخطيب (12) : الشجاعة

د.أمير بن محمد المدري


بسم الله الرحمن الرحيم


والمقصود منها أن يكون الخطيب شجاعًا في قول الحق، مع التحلي بالحكمة وحُسن التقدير للموقف، بعيدًا عن التهور والاندفاع غير المحسوب، فالشجاعة في قول الحق صفة أساسية لابد وأن يتحلَّى بها الخطيب؛ لأنه سيتعرض لأمور كثيرة فإن لم تكن عنده الشجاعة الكافية فلن يستطيع الوصول إلى الهدف والغاية المرجوة، ومن ناحية أخرى كما نطالب الخطباء بالشجاعة، فنحن نطالب الحكومات والوزارات المعنية أن توفر جانبًا من الحرية للخطباء، كما توفر هامشًا - قل أو كثر – للصحافة وأجهزة الإعلام.
والشجاعة في الجهر بالحق عند الخطيب تنبعث من اجتماع خُلُقَين عظيمين: هما امتلاك الإنسان نفسه، وانطلاقه من قيود الرغبة والرَّهْبة، وارتضاؤه لوناً من الحياة بعيداً عن ذل الطمع، وشهوة التنعم؛ فكم من داعٍ يبصر الحق ويقدر على التذكير به، ولكنه يحتبس في حَلْقِه فلا يسمع به أحد. . لماذا؟ لأنه لو نطق لَحُرِمَ من هذا النفع، أو لغضب عليه هذا الرئيس، أو لَفَاتَه هذا الحظ، فهو -إيثارا لمتاع الدنيا- يلزم الصمت ويظلم اليقين [مع الله: مرجع سابق 192]
وتكمن شجاعة الخطيب في رباطة جأشه وسكون خاطره واطمئنان نفسه، فهو يواجه الجموع وعليه السكينة واثقاً من نفسه مؤمناً بما يقول، قديراً على ضبط الموقف.
الخطيب الشجاع يهدأ احياناً في موقف الهدوء فيلطف صوته وتخف نبرته، ويزمجر في موقف الإثارة والقوة فيشد الحاضرين.
«والخطابة بالنسبة إلى الداعية سلاح يدافع به عن دعوته، يرد به كيد الكائدين وجحود الجاحدين، وعنت الظالمين، فكم من منافق عليم اللسان ومنحرف صاحب بيان وفاسق يحمل فكراً، وشيطان يلوح بحجة، فيأتي الداعية الفصيح صاحب الحجة فيدفع الراكب الضال والموكب اللعين وينسف الباطل المنتفخ، ويرفع الحق الأبلج والحجة المضيئة» [«الخطابة وإعداد الخطيب» توفيق الواعي، (ص30)]. وصدق الله العظيم القائل: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18].
والجرأة في الحق قوة يستمدها المؤمن من الإيمان بالله الواحد الأحد، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به، ومن القدر الذي يستسلم إليه، ومن التربية الإسلامية التي نُشِّي عليها.
وعلى قدر إيمانه بكل ما سبق يكون نصيبه من الشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم.
الداعية والخطيب الناجح[«صفات الداعية» للشيخ ابن باز رحمه الله]. : «هو الذي يعتني بالدليل ويصبر على الأذى ويبذل وسعه في الدعوة إلى الله مهما تنوعت الإغراءات ومهما تلوّى من التعب، ولا يضعف من أذى أصابه أو من أجل كلمات يسمعها، بل يجب أن يصبر ويبذل وسعه في الدعوة من جميع الوسائل ولكن مع العناية بالدليل والأسلوب الحسن حتى تكون الدعوة على أساس متين يرضاه الله ورسوله والمؤمنون، وليحذر من التساهل حتى لا يقول على الله بغير علم فيجب أن تكون لديه العناية الكاملة بالأدلة الشرعية وأن يتحمل في سبيل ذلك المشقة في كونه يدعو إلى الله عن طريق وسائل الإعلام أو عن طريق التعليم، فهذا هو الداعية الناجح والمستحق للثناء الجميل والمنازل العالية عند الله إذا كان ذلك عن إخلاص منه لله».
والشجاعة والجرأة والإقدام والثبات على الحق ونحو ذلك أخلاق راسخة في الداعية ما دام قلبه معموراً بمعاني الإيمان، لأن إيمانه يعلمه أن الحياة لا تستحق أن يهن فيها المسلم أو يجبن أو يحجم حيث يجب الإقدام، لأن الآجال قد فرغ منها، وأن الموت لا بد أن يلاقيه كل حي، قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 57].

وصايا للخطيب (13) : الصبر
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أمير المدري
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية