اطبع هذه الصفحة


وصايا للخطيب (14) : السحر العجيب

د.أمير بن محمد المدري


بسم الله الرحمن الرحيم

الخطيب الناجح هو صاحب الخلق العظيم مع الناس بالابتسامة المشرقة والكلمة الطيبة.
 نعم. . إنها حركة بسيطة، ولكنها تعني للمدعو الشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو تنمو وتكبر، وتؤتي أكلها بإذن الله.
وها هو خير البشر يرشدك - أيها الداعية - ويحثك على البسمة فيقول-صلى الله عليه وسلم- : «تبسمك في وجه أخيك صدقة».
وهاهو -صلى الله عليه وسلم- أيضاً يصف حسن الخلق فيقول: «بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى» ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق» [أخرجه البخاري في «الأدب» باب: كل معروف صدقة (6021) من حديث جابر رضي الله عنهما].

واعلم أيها الخطيب - سدد الله خطاك - أن العبوس والغلظة ليست من الدين في شيء، خاصة في مقام الدعوة إلى الله، ولا يهمك بعض من جعلوا من العبوس أصلا من أصول الدين، فابتسامته كهلال رمضان لا يوفق الكثير في رؤيتها، ويسمي هذا التزمت التزاما، أو وقارا، و ولن يكون هذا وأمثاله أكثر وقاراً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال فيه أبو الدر داء-رضي الله عنه- : «ما رأيت أو ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث حديثا إلا تبسم» [رواه أحمد في «مسنده» (5/ 198)].
وفي حديث آخر عن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه-  قال: «ما رأيت أحدا أكثر تبسماً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».
ولا بد أن تكون هذه الابتسامة التي نهديها أحبائنا صادقة نابعة من القلب، وإلا فإنها سهم طائش، لن يصيب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية في نفسية المدعو الذي لن يترجم الابتسامة الصفراء الكاذبة وهو يعرفها إلا بكلمات سوداء، ومشاعر حزينة، وهذا من أكبر العوائق في طريقك إلى قلبه.
وها هو ديل كارنيجي - أحد علماء النفس المشهورين - يقول: «إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد والكفاح فلا أؤمن به، متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة» [ديل كارنيجي، كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين].

 وهاهم أهل الصين يوجهون لدعاة الإسلام نصيحة جميلة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها. . إذ يقول المثل الصيني: «من لا يُحسن الابتسامة لا ينبغي أن يفتح دكاناًً»
و نحن نقول «الداعية بوجه غير باسم لا ينبغي أن يكلم إنساناً».

فكن أخي كالرجل الذي قال فيه الشاعر زهير:

تراه إذا ما جئته متهللا  ---   كأنك تعطيه الذي أنت سائله


وإياك أن تكون من الذين:

وجوههم من سواد الكبر عابسة  --- كأنما أوردوا غصبا إلى النار

 فهيا - أخي - نبتسم في وجوه الناس. . نبشرهم ولا ننفرهم. . ، نحب الخير للناس، ونتمنى لهم الهداية والسعادة، ونشعرهم أننا نهتم بهم، وهمنا همهم وفرحنا فرحهم.

أما المصافحة والسلام باليد فهي أمر آخر جميل، تستطيع من خلاله أن تنقل سيلاً كهربائياً إلى أخيك، يشحنه محبة ووداً، وهاهو سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- - كما يخبرنا عنه أنس بن مالك -رضي الله عنه-  قال:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم-  إذا استقبله الرجل فصافحه، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه» [رواه الترمذي في «سننه» عن أنس رقم (2414)] ، ولهذا دلالة عظيمة، وأثر كبير في نفس الإنسان الذي تصافحه، فهو دليل اهتمام ومحبة، ولن يطلب الآخرون منك أكثر من ذلك.

فيا داعية الإسلام، يا أيها الخطيب والداعية:
ما رأيك أن تجرب هذا المفتاح فتبتسم في وجه كل من تلقاه من أهلك، أو أصدقائك، أو إخوانك، أو زملائك، أو طلابك، أو موظفيك وترى ردة فعلهم، لعل الله أن يكتب لك أجر المعروف، بأن تلقى أخاك بوجه طلق، أو يكتب لك ما هو خير من حمرٍ النعم، بأن يشرح الله صدر أحدهم على يديك أو على شفتيك.

وصايا للخطيب (15) : الورع واتقاء الشبهات

 

أمير المدري
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية