اطبع هذه الصفحة


وصايا للخطيب (15) : الورع واتقاء الشبهات

د.أمير بن محمد المدري


بسم الله الرحمن الرحيم


لا بد للداعية والخطيب من الورع، واتقاء الشبهات، والبعد عن مواضع الريبة، ومسالك التهمة فذلك أبرأ لذمة الداعية والخطيب وأسلم لعرضه، وأهون على الإقبال عليه، وأدعى إلى الانقياد له؛ لأن حال الداعي يؤثر في القلوب أكثر من مقاله، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصحابته وأئمة الهدى.
وقد حكت لنا كتب التراجم والسير نماذج رائعة لورع السلف وصوراً أقرب ما تكون للخيال لولا صدق الرواية وتواترها.
فهذا عمر بن عبد العزيز-رحمه الله - ورضي عنه كان يوزن بين يديه مسك للمسلمين فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة، وقال: هل ينتفع منه إلا بريحه؟!
وهذا الفضيل بن عياض-رحمه الله- كانت له شاة فأكلت شيئاً يسيراً من علف بعض الأمراء فلم يشرب من لبنها بعد ذلك.
وقال ابن المبارك -رحمه الله -: "لأن أرد درهماً من شبهة خير من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف ومائة ألف".
وهذا رسولنا- صلى الله عليه وسلم- سيد المتقين وإمام الورعين مر بتمرة فقال: «لولا أن تكون صدقة لأكلتها» [متفق عليه من حديث أنس].
وأما البعد عن مواضع الريبة، ومسالك التهم، فذلك أن من فعل ذلك لا يأمن من إساءة الظن به وسقوطه في عين الناس فلا ينفع نصحه ووعظه، وهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم- المعصوم الذي لا يظن به مسلم أبداً سوءاً يقول وقد رآه رجلان من أصحابه مع زوجه:
«إنها صفية» فيكبر على الصحابيين ذلك فيجيبهما: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في الجسد، وإني خشيت أن يُدخل عليكما» [رواه البخاري ومسلم].
فينبغي للداعية والخطيب أن يتحرز عن كل ما يوهم نسبته إلى ما لا يليق لئلا يوجب سوء الظن به، وإن كان له مخلص، فذلك سبب لعدم الانتفاع به وبإرشاده.
وعن علي –رضي الله عنه- قال: «إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره؛ فرب سامع نكراً لا تستطيع أن تبلغه عذراً»[ فتح القدير لابن الهمام:2/345].


وصايا للخطيب (16) : القناعة والعفة

 

 
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية