اطبع هذه الصفحة


وصايا للخطيب (16) : القناعة والعفة

د.أمير بن محمد المدري


بسم الله الرحمن الرحيم


إنه على قدر قناعة العلماء والدعاة والخطباء في الدنيا وتقللهم منها، تكون مكانتهم في نفوس الناس والتفافهم حولهم والانقياد لهم، وعلى قدر تعلقهم بالدنيا تكون زهادة الناس فيهم، وعزوفهم عنهم، ونفرتهم منهم.
قال سفيان الثوري-رحمه الله - : «العالم طبيب هذه الأمة، والمال داؤها، فإذا كان يجر الداء إلى نفسه فكيف يعالج غيره؟ »![ المدخل إلى علم السنن للبيهقي:2/758].
والقناعة والعفة والاستغناء عن الناس شرف الداعية والخطيب، يقول الحسن البصري-رحمه الله -: «لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه»[ أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 20) بنحوه.].
وسأل ابن سلامٍ كعبًا بحضرة عمر -رضي اللَّه تعالى عنهم-: ما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه؟ قال: يذهبه الطمع وشره النفس، وتَطَلُّبُ الحاجات إلى الناس، قال: (صدقت) [ذكره الحافظ في "الإصابة" (3/ 299) وعزاه لابن أبي الدنيا ].
وقد تكاثرت الأحاديث بالاستعفاف عن مسألة الناس، إذ مَنْ سألهم ما بأيديهم. . كرهوه وأبغضوه؛ لأن المال محبوبٌ لنفوسهم، بل لا أحبَّ إليها منه، ومن طلب محبوبك منك. . كرهته، وأما من زهد فيما بأيديهم. . فإنهم يحبونه ويكرمونه ويسودونه، و قيل لأهل البصرة: من سيدكم؟ قالوا: الحسن. قال: بم سادكم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دينارهم.
وفي الحديث الصحيح يقول –صلى الله عليه وسلم-:
«ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» .
فينبغي للداعية والخطيب نزاهة النفس عن شبه المكاسب، والاكتفاء بالميسور عن ذل المطالب؟ فإن شبه المكتسب إثم، وكد الطلب ذل.


ولو أن أهل العلم صانوه صانهم محياه بالأطمـاع حتى تجهما
ولكن أهانـوه فهـان ودنسوا ولو عظموه في النفوس لعظما


وصايا للخطيب (17) : اللـين والرفـق

 

 
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية