اطبع هذه الصفحة


الداعية والقصة

أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن

 
القصة لها تأثير عجيب في النفوس ،ووقع يستمر أثره طويلاً.
القصة تلعب دور بارز في بناء القيم والمبادئ.
القصة لها قدرة عظيمة في جذب النفوس وحشد الحواس .
القصة كلما خاطبت داخل النفس وهوية الإنسان كلما كان التغيير أبلغ وأسرع.

يقول سيد قطب -رحمه الله-: "مما لا شك فيه أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق وإدخالها إلى القلوب في صورة حية عميقة الإيقاع بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية، وهي تجري في الحياة البشرية، وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضا تجريديا" (في ظلال القرآن 1 / 390) .

القصة
تجذب الإثارة والتشويق وتغرس المعاني العظيمة بشرط بيان مواضع العبر فيها ،فبعض الدعاة تكاد خطبهم ومحاضراتهم تمتلئ بالقصص والاحداث ،لكن يغفلون عن إبراز الدروس والعبر .

القصة
قد ينسى كثير من الناس معظم الحاضرة أو الخطبة لكن القصة تبقى ويبقى أثرها بإذن الله عزوجل.

القصة
تقدم البرهان على تأهل المعاني المجردة إلى التطبيق على أرض الواقع، وتبرز النموذج والقدوة الصالحة، وتزيد المرء إيماناً بقدرة الله- تبارك وتعالى -وسائر صفاته.
وتبدو أهمية ذلك بشكل أكبر في تربية الناشئة وخطابهم; إذ يعاني شباب المسلمين اليوم وفتياتهم من غياب القدوة الصالحة، ومن بروز النماذج والقدوات السيئة والإعلاء من شأنها وتبجيلها لدى الناس.
لاهمية القصة نجد أن القران الكريم مليئة فيه القصص، فهي أصدق القصص ؛ لقوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآن) (يوسف: من الآية 3) ،وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى .
وهي أنفع القصص ، لقوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب)(يوسف: من الآية 111) . وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق . ومن عناية القرآن بالقصص، تسمية سورة كاملة بسورة القصص. هذه السورة العظيمة التي تقع بين سورتي النمل والعنكبوت، التي قص الله - جل وعلا - علينا فيها نبأ موسى وفرعون وهامان وقارون من أولها إلى آخرها، يتجلى فيها هذا المعنى.
وفي سورة الكهف قص الله عددا من القصص،ومن جملتها قصة موسى مع الخضر التي يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: "وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما"( صحيح البخاري 4/1757.) ، وما ذاك إلا لفوائد القصص، ولذلك كان محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو قدوتنا وأسوتنا يعنى بالقصة مع صحابته، يأتونه يشكون إليه أمرا من الأمور، فيعالج الأمر بقصة، عندما جاؤوا وهو في ظل الكعبة، فقالوا له: يا رسول الله ألا تدع لنا، ألا تستنصر لنا، فإذا به - صلى الله عليه وسلم - يعالج هذا الموقف بداية بذكر قصة من أخبار القرون الماضية "كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به فيوضع في الحفرة ويشق مابين لحمه وعظمه..." الحديث(صحيح البخاري 3/1322).
وكتب السنة فيها عشرات القصص، التي تعالج قضايا اجتماعية كما في خبر أم زرع وأبي زرع(صحيح البخاري 5/1990، ومسلم 4/1901.).

وقصص القران ثلاثة أقسام :

*- قسم عن الأنبياء والرسل ، وما جرى لهم مع المؤمنين بهم والكافرين .
* - وقسم عن أفراد وطوائف ، جرى لهم ما فيه عبرة ، فنقلة الله تعالى عنهم ، كقصة مريم ، ولقمان ، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، وأصحاب الأخدود وغير ذلك .
*- وقسم عن حوادث وأقوام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كقصة غزوة بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وبني قريظة ، وبني النضير ، وزيد بن حارثة ، وأبي لهب ، وغير ذلك .

أما القصص من السنة فإن قدوة الداعية في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقص على أصحابه القصص الذي ينفعهم، ويرغبهم في الخير، ويخوفهم من الوقوع في ضده، ومن ذلك: قصة الأبرص والأعمى والأقرع (البخاري مع الفتح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع من بني إسرائيل،) ، ففي هذه القصة التحذير من كفران النعم والبخل، والتشويق إلى شكر النعم، والاعتراف بها للخالق، والإحسان إلى الناس (انظر: فتح الباري 6 / 503.) .
وقصة الغلام مع الملك والساحر والراهب (انظر: صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والغلام، 4 / 2299.) ، وفيها تشويق الناس في الثبات على دين الله، والتضحية بكل غال ورخيص في سبيل نصرة دين الله وإظهاره.
وقصة الرجل الذي قتل مائة ثم تاب فتاب الله عليه (انظر: صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، 4 / 2118.
) ، فإن في هذه القصة الإيضاح للناس أن من تاب تاب الله عليه، وأن البيئة لها تأثير على الشخص، فلابد للتائب أن يلتمس الجليس الصالح، وغير ذلك كثير في السنة النبوية.
ولو أن الدعاة عنوا بالقصص، وبالأخص إذا عني المربون بهذا الجانب عناية خاصة، فسيجدون أثرا عجيبا، على أن يلتزموا بالقصة الصحيحة، فإما أن تكون القصة قد وقعت فعلا فيسردها كما هي، كما نقرأ في سورة يوسف، أو أن تكون من قبيل ضرب المثل والتشبيه غير المنسوب إلى معين، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم-: "كان فيمن كان قبلكم"، أو "يؤتى بالرجل"، وليس المراد حالة فرد، إنما هي أحوال متعددة.
فأوصي طلاب العلم، أوصي المربين، أوصي الدعاة، أوصي الآباء والأمهات أن يعنوا بهذا الجانب عناية خاصة،وصدق الله إذ قال: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) [إبراهيم:5].

القصة
ثبات للداعية والدعوة ، قال ربنا تبارك وتعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} سورة هود الآية: 120. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "كل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين. كل هذا مما نثبت به فؤادك يا محمد أي قلبك ليكون لك ممن مضى من إخوانك المرسلين أسوة".( تفسير ابن كثير 2 \ 466)

تنبيها ومحاذير

ومع أهمية القصة وعلو شأنها إلا أنه ينبغي أن يراعى في ذلك أمور عدة، منها:
1- الحذر من القصص الواهية والأخبار التي لا زمام لها ولا خطام; إذ إن النفوس كثيراً ما تتعلق بالغرائب وتجنح إليها، والقليل منها هو الذي يثبت عند التحقيق والنقد العلمي.
2- الحذر من القصص الضعيفة مثل قصة ثعلبة بن عبد الرحمن الهارب من النار ،وقصة ثعلبة الذي طلب من رسول الله أن يدعو له بكثرة المال كما في سورة التوبة ،والقصة ليست في ثعلبة البدري كما قال المحدثون وأهل السير.
3- أن تأخذ أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصصه، وأخبار الرعيل الأول من سلف الأمة مكانها الطبيعي، وألا تطغى أخبار من بعدهم من المتأخرين ممن تعرف منهم وتنكر.
4- أن البشر مهما علا شأنهم وارتفع قدرهم، ومهما بلغوا المنازل العالية من الصلاح والتقى فلن تكون أعمالهم حجة مطلقة، بل لا بد من عرضها على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كما يروي بعضهم في مقام الصبر أن شيخاً قام يرقص على قبر ابنه حين توفي رضًى بقدر الله على حد زعمه، وخير من ذلك هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تدمع عينه ويحزن قلبه، ولا يقول إلا ما يرضي ربه، وهديه - صلى الله عليه وسلم - القولي والعملي في النوم والقيام خير مما يروى عن بعضهم أنه صلى الفجر بوضوء العشاء كذا وكذا من السنوات، وهديه في تلاوة القرآن خير مما يروى عن بعضهم أنه يختم القرآن كل ليلة، مع التماسنا العذر لمن كان له اجتهاد من سلف الأمة في ذلك.

بنك القصص

يتساءل الكثير من الدعاة ما هي منابع استقاء القصص فأقول وبالله التوفيق:
1- التاريخ الإسلامي بمراحله الماضية والمعاصرة فيه ما يكفي ويشفي.
2- كتب السير مثل سير أعلام النبلاء للذهبي ،وصفة الصفوة لابن الجوزي الأولياء لأبو نعيم ،والبداية والنهاية لابن كثير،كتب السنة الصحيحة وشروحها.
3- الأشرطة والألبومات للدعاة المشهورين ففيها كثير من القصص المؤثرة .
4- المواقع الإسلامية على شبكة الانترنت مثل طريق الإسلام والشبكة الإسلامية وطريق الإيمان وصيد الفوائد وغيرها من المواقع التي أفرزت للقصص مساحة خاصة.
5- القنوات الفضائية الإسلامية التي بحمد الله تعالى ثم بجهود أهل الخير جاوزت الثلاثين قناة ،فيها كذلك زاد للداعية من القصص والأحداث الواقعية.
6- كتب مثل :
 

اسم الكتـاب اسم المـؤلف
التاريخ الإسلامي  محمود شاكر
الجزاء من جنس العمل  سيد العفاني
صلاح الأمة في علو الهمة  سيد العفاني
خلفاء الرسول  خالد محمدخالد
غزوات الرسول المصطفى دروس وعبر  أمير المدري
السيرة النبوية علي الصلابي
صور من حياة الصحابة  عبد الرحمن رأفت الباشا
صور من حياة التابعين عبد الرحمن رأفت الباشا
رجال حول الرسول خالد محمد خالد
أصحاب الرسول محمود المصري (أبوعمار)
ساعة وساعة محمود المصري (أبو عمار)
ألف قصة وقصة هاني الحاج
قبسات من حيات الرسول  محمود عساف
سلسلة العائدون إلى الله محمد المسند
زاد المعاد  ابن القيم

وغيرها من الكتب.

أسأل الله بمنه وكرمه ورحمته وعفوه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ،وان يجمعنا وإياكم في جناتٍ ونهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


كتبه :
أمير بن محمد المدري
اليمن عمران



 

أمير المدري
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية