اطبع هذه الصفحة


ثلاثون باباً للرزق
الباب الخامس:
الأولاد والذرية

أنور إبراهيم النبراوي
@AnwarAlnabrawi


إنَّ في الذرية والمكاثرة بها دليل على الإيمان واليقين برزق الله، كما أنها دليل على عمق الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دعا إليها.
عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»[1].
لذا كان الجزاء من الله أن يوسع على العبد في الرزق يوم يخشى العبد من الفقر بسبب كثرة الأبناء، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31].
فإن الله سبحانه تكفل برزق الآباء والأبناء، فلا يُقتل الأبناء خشية الفقر، ومثله قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].
وقوله {مِنْ إِمْلاَقٍ} أي: بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم.
فحيث كان الفقر حاصلًا قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} فبدأ برزق الآباء؛ لأنه الأهم هاهنا، أي: قد تكفلنا برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم، فليس عليكم منهم ضيق.
{وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ} أي: خشية حصول فقر في الآجل {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله.
وفي جميع ما سبق تحذير من الله عز وجل من قتل الأولاد خشية العجز عن القيام بإعاشتهم؛ وذلك أنَّ العَرَبَ في الجاهلية كانوا يقتلون أولادهم كلَّما سَوَّلت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يَئِدُون البنات خَشْيَة العار، وربما قتلوا بعض الذكور خيفةَ الافتقار.
 
 وفي الصحيحين[2]  من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68].
 
إضاءة

حين تسعى هذه المخلوقات في طلب الرزق، فإنما تطلبه حسب سنَّة الله التي لا تحابي أحدًا، ولا تتخلف أو تحيد، إنما هو كسب طيب وكسب خبيث، وكلاهما يحصل من عمل وجهد، إلا أنه يختلف في النوع والوصف، وتختلف عاقبة المتاع بهذا وذاك.

لذا كان أعظم الرزق نفعا أكرمه وأطيبه، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة، وهو الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى والرشاد، وهو نوعان:
1- رزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح؛ فإنَّ القلوبَ لا تصلح ولا تفلح، كما إنها لا تقنع ولا تشبع حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة والعقائد الصائبة، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزه عن الأخلاق الرذيلة.
2- رزق الأبدان؛ بأن يُغْني الله عبده بأمرين ينبغي للعبد أن يستحضرهما بقلبه إذا دعا ربه في حصول الرزق وهما: أن يغنيه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
وما يتلو ذلك من خصوص؛ من زوجة صالحة، وابن بارٍّ، ورفيق صادق، ومنهج قيِّم واضح، ووقت مبارك، وراحة بال، وتوفيق من الله لكل عملٍ صالح، وعلمٍ نافع، ونفسٍ زكية، وسلامة قلب، وطهرِ سريرة، وأمن في الدور، وعافيةٍ في الأبدان، وقناعةٍ وكفاف، إلى غير ذلك من عطايا ربنا الكريم، جلَّ في علاه.



 
 


أنور إبراهيم النبراوي
داعية إسلامي وباحث في الدراسات القرآنية والتربوية
ومهتم بشؤون الأسرة
Twitter: @AnwarAlnabrawi
E-mail: Aidn1224@gmail.com
 

----------------------------
[1]     أخرجه أبو داود (2050) و النسائي (3227) وصححه الألباني في التعليقات الحسان (4017).
[2]     أخرجه البخاري (6001) ومسلم (89).

 

أنور النبراوي
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • الصفحة الرئيسية