صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







متاع قليل
(9) لطيفٌ بعباده

أنور إبراهيم النبراوي
@AnwarAlnabrawi


هو اللطيف سبحانه بالعباد: { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } [الشورى: 19]، ولولا لطفه ورحمته بعباده لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعًا عظيمًا، ولهلك حينها الناس أجمعون بالتسارع في الكفر والإسراف في المعاصي: {أأَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 32-35].
فهو سبحانه يبيِّن لعباده سرًّا من أسرار حكمته؛ فلولا أن يعتقد كثير من الناس أن إعطاء الله المال دليل على محبته لمن أعطاه، ويكون ذلك فتنة للفقراء والضعفاء - فيجتمعوا بعد ذلك على الكفر؛ لأجْل المال- لجعل سبحانه لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة، وسلالم من فضة عليها يصعدون، وجعل لبيوتهم أبوابًا من فضة، وجعل لهم سُررًا عليها يتكئون، وجعل لهم ذهبًا، ولزَخْرَفَ لهم دنياهم بأنواع الزخارف، وأعطاهم ما يشتهون.
لكن حقيقة الأمر: ﴿إِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وما كل تلك المفاخر والزخارف والبهارج والزينة والجمال والملذات والشهوات إلا متاع الحياة الدنيا، وزينتها الفانية، إن المال والثراء والجاه والظهور لا يعني الحياة الرفيعة، ولا الآفاق البعيدة، إنه متاع هذه الأرض القريب، والله عنده حسن المرجع والثواب.
وفي هذا تسلية ومواساة للفقراء الذين لا قدرة لهم على الحصول على شهوات الدنيا.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عزَّ وجل ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه؛ كما تحمون مريضكم الطعام والشراب؛ تخافون عليه»([1]).
وهذا من كرم الله وحكمته، ودليل رأفته ورحمته، فهو جل في علاه إذا أحب عبده المؤمن فإنه يحفظه من الدنيا وأموالها ومناصبها، ويبعده عما يضرُّ بدينه منها؛ كما تحمون مريضكم من تناول الطعام والشراب؛ لكونكم تخافون عليه من تناول ما يؤذيه منها؛ فالله -سبحانه وتعالى- خلق عباده على أوصاف شتى، فمنهم القوي والضعيف والوضيع والشريف، فمن عَلِمَ الرحمن من قلبه قوةً على حمل أعباء الفقر الذي هو من أشد البلاء، وصبرًا على تجرع مرارته أفقره -سبحانه- في الدنيا؛ ليرفعه على الأغنياء في العقبى، ومن علم الله ضعفه وعدم احتماله، وأن الفقر ينسيه ربه صرفه -جل وعلا- عنه؛ لأنه لا يحب من عبده أن ينساه أو ينظر إلى من سواه؛ فسبحان الحكيم العليم.
ولهذا في الغالب المشاهد أن الله تعالى قد ملَّك الدنيا للكفار والفسَّاق؛ لهوانهم عليه، وحَمَى منها الأنبياء والصالحين؛ لئلا تُدَنِّسَهُم.


###


أنور إبراهيم النبراوي             
داعية إسلامي وباحث في الدراسات القرآنية والتربوية
ومهتم بشؤون الأسرة
Twitter: @AnwarAlnabrawi
E-mail: Aidn1224@gmail.com

---------------------------------
[1]        المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم (7465)، (4/231)، ومسند الإمام أحمد برقم (23627)، (39/37)، والجامع الصغير وزيادته برقم (2695)، (1/270).
 
 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أنور النبراوي
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • الصفحة الرئيسية