اطبع هذه الصفحة


خطبة يوم عيد الأضحى في مسجد قرية آل عشَه بسبت تُنومة
10ذو الحِجة 1441هـ.
بعنوان:(هذا عيدنا)

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد


الحمد لله الذي جعل لعباده يوم عيدٍ يعود عليهم كل عامٍ مرتين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شـريك له، خالق الناس أجمعين، والصلاة والسلام التامين الأكملين على نبيه ورسوله محمدٍ بن عبد الله إمام المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فالله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.
معاشـر المصلين: اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين العظيم، الذي أكمله لكم، وأتم عليكم به النعمة، ورضيه لكم ديناً، قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً} (المائدة: من الآية 3).
وأعلموا (بارك الله فيكم) أن من فضل الله تعالى علينا أن يجتمع لنا في هذا اليوم المبارك (بإذن الله تعالى) عيدان، عيد الأضحـى في يوم الجمعة، فنحن ولله الحمد في موسمٍ عظيمٍ، وفرحةٍ كُبرى حيث اجتمع لنا في يومنا هذا عيدٌ في عيد.
وهنا أُذكِّر نفسي وإياكم بأن يومنا هذا يومٌ عظيمٌ، فهو يوم الحج الأكبر، وهو آخر الأيام المعلومات، وأول الأيام المعدودات الوارد ذكرها في آيات القرآن الكريم، وهو (يوم النحر) الذي يُعد أفضل أيام السنة على الإطلاق، لما ورد عن النبـي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:
"إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر" (رواه أبو داود وصححه الألباني).
ويأتي من معالم عظمته وكبير منزلته، أن الله تعالى قد اختصه ببعض العبادات المشـروعة التي لا تؤدى في غيره، ومنها: الانشغال بسُنة التكبير، وأداء صلاة عيد الأضحـى، والتقرب إليه سبحانه بذبح الهدي والأضاحـي ونحرها، إلى غير ذلك من العبادات التي يختص بها حُجاج بيت الله الحرام؛ فهو بذلك أفضل من يوم عيد الفطر لما يجتمع فيه من الصلاة والنحر، وهما أفضل من الصلاة والصدقة كما قال ذلك بعض أهل العلم.
معاشـر المستمعين، إن من أبرز معاني العيد إثبات أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي يتسم بالرحمة والسماحة والاعتدال، ومُراعاة ضـرورات الحياة وحاجاتها، فهو يُلبي ويُشبِع متطلبات النفس البشرية بنوعٍ لطيفٍ من الاعتدال الجليل الجميل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ويأتي من تلك المتطلبات التربوية والنفسية حاجة النفوس البشـرية إلى شـيءٍ من الترفيه والترويح عنها؛ إذا ما كـلَّت وتعبت وفترت من أداء الطاعات والعبادات، وهو ما يوضِح المعنى الحقيقي للعيد في الإسلام.
ولعل خير مثالٍ على ذلك أن تشـريع الإسلام قد جعل لعباده بعد صيام شهر رمضان وقيامه جائزة الاحتفاء بأداء تلك الطاعة وتتمثل في الفرح والسـرور بعيد الفطر السعيد، وجعل لهم بعد أداء الطاعات المختلفة في الأيام الأولى من شهر ذي الحجة جائزة الاحتفاء مُمثلةً في عيد الأضحـى المبارك، فكان من الواجب علينا معاشـر المسلمين في كل مكان أن نتسامح في هذا اليوم المبارك، وأن نتزاور، وأن نتصافح، وأن نصل الأرحام، وأن نهنـئ بعضنا، وأن نفرح، وأن نبتهج بالأهل والإخوان والأقارب والجيران، وأن نتفقد من حولنا ومن عرفنا من الفقراء والمساكين، والأرامل والأيتام والمحتاجين، وأن نجتهد قدر المُستطاع في إدخال الفرح والسـرور إلى قلوبهم، ورسم البسمة على شفاههم، وتفقُد أحوالهم المادية والمعنوية، وسد جوعتهم، ومسح دموعهم، ومشاركتهم بالشعور الأخوي الإنساني الذي حثنا عليه، وأرشدنا إليه حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي صحَّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنه قال:
"مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّـر على معسـرٍ، يسَّـر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستـر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"(رواه مسلم).
فالله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فقدَّر، والذي شَـرعَ فيسَّـر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، أنصحُ من دعا إلى الله وبشَّـر وأنذر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مديداً وأكثر، أما بعد:
فالله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
عباد الله، لا يخفـى علينا جميعاً أن من أبرز سمات هذا اليوم أنه يوم التقرُب إلى الله تعالى من عباده المؤمنين بذبح ونحر الأضاحي عبادةً وطاعةً وامتثالاً، وبخاصةٍ أن الأضحية واحدةٌ من أعظم شعائر الإسلام، وهي النُّسك العامُّ في جميع الأمصار، كما أنها النُّسك المقرون بالصلاة، لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر:2].
ولما صحّ عَنِ البَرَاءِ (رضي الله عنه)، أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلّم): "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلّـِيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا" (رواه البخاري).
وهـي مِن مِلَّة إبراهيم (عـليه السلام) الذي أُمِرْنا باتباع مِلَّته، كما أنها مشـروعةٌ بهدي النبـي (صلى الله عليه وسلم) القولي والفعلـي؛ فقد صحَّ عن أنس (رضي الله عنه)، أنه قال:
"ضَحَّـى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ" (رواه مسلم). ولم يأت عنه (صلى الله عليه وسلم)، أنَّه ترك الأضحية قط، فلا يَنبغـي لِمُوسِـرٍ من المسلمين تركُها أو التهاون في شأنها.
واعلموا (بارك الله فيكم) أن وقت ذبح الأضاحي يبدأ من بعد الانتهاء من صلاة العيد في يوم العيد، ويمتد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشـر من أيام التشـريق، فهي أربعة أيامٍ كاملة.
واعلموا أنه لا يجوز صيام أيام التشـريق الثلاثة؛ فهي كما صحَّ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"أَيَّامُ التَّشْـرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُـرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ" [أخرجه مسلم]، فأكثروا فيها من ذكر الله تعالى بالتكبير، والتهليل، والتحميد، في أدبار الصلوات، وفي جميع الأوقات.
وليكن في علمكم (وفقنا الله وإياكم لطاعته) أنه لا يجوز في هذه الأيام المباركات أي نوعٍ من الصدود والقطيعة والهُجران، وأن من المستحب للإنسان المسلم أن يُظهر البِشـر والسُـرور، وأن يُعنـى بصلة الأرحام، وزيارة الأقـارب، وأن يجتهد فيما يُسمى بالتواصل الاجتماعـي مع من حوله من الأقارب والجيران والإخوان، وأن ينبذ الشحناء، وأن يتجاوز عن الخلافات، وأن يُبادر إلى التسامح والصفح والعفو عن الآخرين، وأن يعمل على التوسعة على الأهل والعيال، وإدخال السـرور عليهم بشيءٍ من اللهو المُباح، والترفيه المنضبط، ونحو ذلك.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة، نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال عزَّ شأنُه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبـى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِـرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم أسعد في هذا العيد قلوبنا، وفرج همومنا، وأذهب غمومنا، وأحفظ بلادنا، وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان.
تقبل الله منّا ومنكم ما قدمتم، وما أسـررتم، وما أعلنتم، وعاد عيدنا وعيدكم بالخير واليُمن والبركة. اللهمَّ اجعلْنا منَ المسارعين إلى طاعتِك، وثَبِّتنا على الإيمان، ووفقنا لما تحبُّه وترضاه، واغفرِ اللهمَّ لنا وللمؤمنين والمؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأموات، وكل عام ونحن جميعاً في خيرٍ، ومن خيرٍ، وإلى خير، والحمد لله رب العالمين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية