اطبع هذه الصفحة


خطبة الجمعة في مسجد قرية آل عشَه بسبت تُنومة
17 ذو الحِجة 1441هـ.
بعنوان:(من الخُماسيات التربوية النبويّة)

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد


الحمد لله صاحب الفضل والامتنان، مُضاعف الأجور والحسنات لذوي الإيمان والإحسان، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ صاحب الإعجاز والبيان، وعلى آلهِ وصحبه والتابعين لهم في كل زمانٍ ومكان. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله في سِـركم وفي علانيتكم، وفي قولكم وعملكم، وفي كل شأنٍ من شؤون حياتكم، وعليكم (بارك الله فيكم) بما كان عليه سلفُنا الصالح من تدبُرٍ لكتاب الله العظيم، والتزامٍ بسُنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. واعلموا أن الله تعالى لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.
أما حديثـي هذا اليوم فسيكونُ عن بعض الأحاديث النبوية التي يُمكن أن نُسميها (الخُمـاسيات النبويّة)، وهـي مجموعةٌ من الأحاديث النبوية الشـريفة التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم خمسةً من الأمور في حديثٍ واحد، وسياقٍ واحد.
ويأتي من أهم تلك الأحاديث ما صحّ عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لرجل وهو يَعِظُهُ:
"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شـرط الشيخين)، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
= ومن الخُماسيات التربوية النبوية ما له علاقةٌ ببيان وتوضيح أركان الدين الإسلامـي الحنيف ودعائم بنيانه الرئيسة التي لا بُد أن يؤمن المسلم بها كلها، وأن يعمل بها حتى يكون مسلماً، وقد جاء بيان وتوضيح هذه الأركان الخمسة في حديثٍ صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم):
"بُنِـيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (أخرجه البُخاريُّ).
= ويأتي من الخماسيات التربوية النبوية ما كانت له علاقةٌ بأحد جوانب الشخصية الإنسانية السويّة، وهو الجانب الصحـي أو الجسمي للإنسان المسلم، والحث على حُسن تربيته، وسلامته ونظافته، وجماله، وأناقته، ضماناً لتحقيق معنى طهارته الظاهرية والشكلية، من خلال خمس خصالٍ وسُننٍ فطريةٍ ورد الحث على العمل بها والمحافظ عليها، وهو ما يُرشد إليه الحديث الصحيح عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال:
"خمسٌ من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط" (أخرجه البخاري ومسلم).
كما أن من الخماسيات النبوية ما جاء ضماناً لدفع الضـرر والأذى ممن يُتوقع ذلك منه، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمر (رضي الله عنهما) قال: قالتْ حفصةُ (رَضِيَ اللهُ عنها): قال رسولُ الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم):
"خمسٌ من الدَّوابِّ لا حَرَجَ على مَن قتَلَهنَّ: الغرابُ، والحِدَأةُ، والفأرةُ، والعَقربُ، والكلبُ العَقورُ" (رواه البخاري ومسلم).
ومن الخُماسيات النبوية ما يُبين حال الشهداء من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأصنافهم الخمسة فالمطعون: هو من مات بالطاعون، والمبطون: من مات بداء البطن، والغريق: من مات غرقاً، وصاحب الهدم: من يموتُ تحت الأنقاض ونحو ذلك، فكل هؤلاء لهم أجر الشهداء بإذن الله تعالى، لما صحَّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال:
"الشُّهداءُ خمسةٌ: المطعونُ، والمبطونُ، والغرِقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشَّهيدُ في سبيلِ اللهِ" (رواه البخاري ومسلم).
وعنهُ (رضي الله عنه) أنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): "مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،" قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: "منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ" (رواهُ مسلمٌ).
بارك الله لي ولكم في كل ما نقول وما نسمع، وما نقرأ وما نكتب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي منَّ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، ويُزكيهم، ويُعلمهم الكتاب والحكمة، والصلاة والسلام على من مدحه ربه بما منحه فقال سبحانه في شأن نبيه (صلى الله عليه وسلم): {وإنك لعلـى خُلقٍ عظيم}، وعلى آله وصحبه ومن والآه إلى يوم الدين، أما بعد:
فيتبقـى لنا في حديثنا عن الخماسيات النبوية أن نُشير إلى واحدٍ من أشهر الأحاديث النبوية الزاخرة بالمضامين التربوية المرتبطة بحياة الإنسان المسلم في مختلف جوانبها الحياتية، وهو الحديث الذي يوضِح جُملةً من الحقوق الواجبة للإنسان المُسلم على أخيه المُسلم؛ فقد صحَّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال:
"حق المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضٍ، واتباعُ الجنائزِ، وإجابةُ الدَعوة، وتشميتُ العَاطِس" (متفقٌ عليه)، وفـي رواية أُخرى:
"حق المسلم على المسلم ستٌ"، قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟، قال: "إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دَعَاك فأجِبهُ، وإذا استنصَحَك فانصحْ له، وإذا عَطَـس فحمِدَ الله فشمِّتهُ، وإذا مرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه" (رواه مسلم).
وهنا يتضح لنا أن هذه التوجيهات التربوية النبوية التي أوردها معلم الناس الخير (صلى الله عليه وسلم) في الحديث السابق، إنما هي توجيهٌ وإرشادٌ تربويٌ نبويٌ لأمة الإسلام في كل زمانٍ ومكان، وهي في الوقت نفسه سبيلٌ لبناء المجتمع المسلم السوي المترابط الذي تكون رابطة الأُخوة الإسلامية قويةً بين أفراده، وتكون الحياة فيه حياةً كريمةً قائمةً على كمٍ كبيرٍ من معاني المحبة والإخاء. ولهذا فإن من الواجب على كل مسلمٍ أن يعـي مضامين هذه الأحاديث النبوية، وأن يحرص على تطبيقها في واقع حياته وبخاصةٍ أنها جاءت مُترابطةً ومتكاملةً، وذاتُ ارتباطٍ وثيقٍ بصلاح حياة الناس اليومية التي لا غنـى عنها لضمان تحقيق سعادتهم، وانتظام مجريات حياتهم، واستقامة أحوالهم، نسأل الله تعالى من فضله.
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي نبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وأن شـر الأمور محدثاتـها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبـي فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً}. فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك التوفيق للقيام بالفرائض والواجبات، والمحافظة على السُنن والنوافل والطاعات، ونسألك اللهم أن تُجنبنا الذنوب والمعاصي والسيئات، وأن تكفينا من الفِتن والمِحن وما صاحبها من الشهوات والشُبهات والمُهلكات.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأُمهاتنا ولمن له حقٌ علينا من عبادك الصالحين، ونسألك اللهم أن توفقنا لصالح الأقوال والأعمال والنيات، وأن تُضاعف لنا الأجور والحسنات، وأن تُفرِّج عنّا الهموم والغموم والكُربات، وأن تستُـر منّا العيوب والنقائص والعورات.
اللهم احفظ لنا إيماننا، وأدم علينا أمن بلادنا، واكفنا اللهم كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحِقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، وشماتة الشامتين، وعداوة المعتدين، وظلم الظالمين، ووفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح الدنيا والدين.
اللهم إنّا نسألُك إيماناً لا يشوبه شِـركٌ أو كُفر، وعافيةً ليس معها هم أو غم، ويُسـراً ليس معه عُسـر، وغِنـىً ليس معه فقر، وأمناً ليس بعده خوف، وسعادةً ليس معها شقاء، وصلاحاً لا يعقبه ضلال.
اللَّهُمَّ إِنّا ظَلَمْنا أنَفْسنا ظلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوب إِلاَّ أَنْتَ. فَاغْفِرْ لنا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكَ، وَارْحَمْنا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ آتِ نَفْوسنا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا.
عباد الله: {إنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْـيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركُم، وأشكُرُوه على نِعَمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ.


 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية