اطبع هذه الصفحة


المؤسسات التربوية والتعليمية ودورها في تحقيق معنى الوطنية

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

 
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ وبعد :
فالوطنية صفةٌ مُشتقةٌ من الوطن الذي يعني مكان إقامة الإنسان ومحل معيشته مع من حوله من كائناتٍ ، وما حوله من مكونات . وهنا يُلاحظ أن الإنسان في هذا الوطن مرتبطٌ مع من في مجتمعه بالعديد من الروابط الاجتماعية والمصالح المُشتركة .
وليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي عاش فيه ، ونشأ بين ربوعه ؛ إذ إن ذلك أمرٌ فطريٌ وسلوكٌ طبيعيٌ وعاطفةٌ إنسانيةٌ يشترك فيها الناس جميعاً على اختلاف الأزمنة والأمكنة . وهنا يجب تأكيد أن الوطنية الصادقة المنضبطة لا تتعارض وتعاليمَ الدين الإسلامي الحنيف وتوجيهاته الكريمة التي تحث في مجموعها على محبة الوطن وصدق الانتماء إليه ، وقد أشارت بعض آيات القرآن الكريم في معرض حديثه عن فضائل الصحابة الكرام الذين هاجروا من ديارهم وضحوا بأوطانهم في سبيل الله تعالى إلى شيءٍ من ذلك ، قال تعالى : { للفقراء المُهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ( سورة الحشر : الآية رقم 8 ) .

وليس هذا فحسب فقد أشارت السُنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم - إلى حب الإنسان لوطنه ، وهو ما تمثل في حب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة وهي بلده وموطنه الأصلي ، فقد روي عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة : " ما أطيبك من بلدٍ ، وأحبك إلىَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك " ( الترمذي ، الحديث رقم 3926 ، ص 880 ) .

والمعنى أن حب الوطن في الإسلام أمرٌ واردٌ ولا غرابة فيه إذا كان يعني حب الوطن وصدق الانتماء إليه . وقد دعا إليه الإسلام شريطة أن يكون ذلك الحب للوطن مُتفقاً مع تعاليم الدين ، وبعيداً عن العنصرية المذمومة ، والعرقية المقيتة ، والشعوبية البغيضة ، والقومية الرخيصة التي تتنافى كُلياً والوطنية الحقة ، وتختلف عنها بالكلية .
ولأن في كل مجتمعٍ مؤسساته التربوية والتعليمية التي تُعنى بتنشئة أفراده وتربيتهم وتعليمهم ؛ فإن على المؤسسات التربوية والتعليمية في بلادنا أن تحرص على تحقيق المعنى الصحيح للمواطنة الحقة التي نطمح جميعاً إلى تحقُقها من خلال ما يلي :

1 – الحرص على تحقيق الهدف الرئيس والغاية العُظمى من العملية التربوية الإسلامية المُتمثلة في إعداد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح الذي يؤمن بالله تعالى رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .

2 – ضرورة التمسك التام والمحافظة الكاملة على الهوية الإسلامية المُميزة التي ينفرد بها النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية عن غيره من الأنظمة التعليمية المُعاصرة ؛ من خلال العناية بكل ما يمتاز به من خصوصيات مُتميزة ، والعمل على تأكيدها بمختلف الطرائق والكيفيات الممكنة ، وعدم التخلي عنها أو عن بعضها مهما كانت الأسباب أو الدواعي .

3 - التشديد على غرس مبدأ الاعتزاز بالهوية الإسلامية في النفوس من خلال توظيف مُفردات و مناشط النظام التربوي والتعليمي في هذه المؤسسات المختلفة لهذا الشأن ، انطلاقاً من أهمية الشعور بواجب تنمية روح الولاء للشريعة الإسلامية السمحة ، والعودة الجادة إلى رصيد الأُمة الثقافي ومخزونها الفكري الأصيل ، والعمل على توظيفه توظيفاً حضارياً يُعيد له التألق والحيوية والقدرة على مواجهة مختلف التحديات المُعاصرة والمُستقبلية وكشف زيفها وبطلان دعواتها وفي مُقدمتها الإرهاب والتطرف والغلو .

4 - العمل الجاد على استمرار تقييم وتطوير خطط وبرامج النظام التعليمي في مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية سواءً فيما له علاقة بالأهداف ، أو المحتويات المنهجية ، أو أساليب التدريس ، أو آليات التقويم ، أو آليات التدريب ، أو إعداد المعلم ، أو غيرها مما له علاقة بالنظام التربوي والتعليمي . والحرص في هذا الشأن على الإفادة الكاملة من البرامج العالمية المتخصصة في مُختلف المجالات بما لا يتعارض و تعاليمَ وتوجيهاتِ ديننا الإسلامي الحنيف ، ولا يختلف مع ما نصت عليه سياسة التعليم في بلادنا .

5 - توظيف النظام التعليمي في هذه المؤسسات التعليمية بكامل طاقاته وجميع إمكاناته المُختلفة لتنمية الوعي الإسلامي الصحيح البعيد عن التطرف والإرهاب والغلو ، والمتفاعل إيجابياً مع كل جديدٍ ومُفيد شريطة أن يكون ذلك التفاعل نافعاً ومفيداً لمجتمعنا ، وغير متعارضٍ و تعاليمَ وتوجيهاتِ ديننا الحنيف في أي شأنٍ من شؤون الحياة .

وختاماً / أسأل الله الكريم ، رب العرش العظيم أن يحفظ علينا أمننا ، وأن يديم علينا وعلى إخواننا المسلمين نعمة الأمن والإيمان ، والحمد لله رب العالمين .

 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية