اطبع هذه الصفحة


خواطر حول المعنى الحقيقي للانتماء في يومنا الوطني

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

 
الحمد لله مالك الملك ، وملك الملوك ، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير ، نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد :
فإن موضوع حديثنا في هذه العُجالة يتمثل في محاولة الوقوف على المعنى الحقيقي للانتماء في يومنا الوطني ، ولاسيما أننا نُدرك تماماً أنه يومٌ تاريخيٌ يُعبّرُ عن توحيد كيان المملكة المبارك إن شاء الله تعالى ، ويروي للأجيال ملحمةً كُبرى كان فارسها الملك / عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ( رحمه الله ) .
وانطلاقاً من أن في حياة الأمم والشعوب بعض الأيام المجيدة الخالدة في ذاكرة أبنائها ؛ فإننا في هذه البلاد الغالية ( المملكة العربية السعودية ) نفتخر بيومنا الوطني الذي نعُده مناسبةٍ غاليةً وعزيزةً إلى نفوسنا ؛ لأنه يعني لنا الكثير ، ويُمثل لنا رمزاً خالداً وذكرىً مُتجددة .
ولأننا في مثل هذا اليوم من كل عامٍ نسترجع بكل فخر واعتزاز فصول ملحمة رائعة ورائدة ، كان فارسها الأول المؤسس الباني الملك / عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - يرحمه الله - ، الذي أسس بفضل الله تعالى ثم بإيمانه وجهاده وجهده ، وتخطيطه المدروس هذا الكيان العظيم المتمثل في المملكة العربية السعودية .
وفي هذه المناسبة المجيدة نشعر ببهجة كبيرة بيوم الوحدة الوطنية وتأسيس هذا الكيان الكبير ، الذي يعيش - من فضل الله تعالى - في أوج الجِد وقمة المجد .
وعلينا جميعاً أن نتعامل مع هذه الذكرى بمزيد من الجد والاجتهاد ، والعمل الدائب مع قيادتنا الحكيمة ، حتى نواصل البناء والعطاء ، وتعميق معنى الانتماء لهذا الوطن ، والتعاون الدائم على البر والتقوى .
وفي مثل هذا اليوم الوطني كنت أتمنى ألاّ يكون احتفاؤنا بهذا اليوم مجرد احتفاءٍ بذكراه السنوية من خلال وسائل الإعلام فقط .
أو من خلال بعض الأناشيد الوطنية التي تُبثُ عبر قنوات التلفاز ، وموجات الإذاعة .
أو من خلال تلك الأحاديث والمقالات التي تنحصر في تمجيد شخصية المؤسس الراحل / الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله .
أو من خلال ذلك الكم الكبير من الموضوعات الصحفية التي تتحدث عن الخطط التنموية والحضارية للمملكة في الماضي والحاضر والمستقبل .
أو من خلال تلك الأعلام الخضراء التي ترفعها الأيدي وتُلوح بها في الساحات .
أو من خلال تلك الأشرطة والزينات الملونة التي تنتشر في ذلك اليوم على كل موقع في الأسواق والمحلات والميادين .
أو من خلال رفع بعض الشعارات والعبارات الإعلامية الرنانة التي تعودنا على سماعها وربما ترديدها لفترةٍ من الزمن .
أو من خلال بعض المسيرات والرقصات والاستعراضات التي تجوب الشوارع والطرقات .
أو نحو ذلك من المظاهر التي أعلم يقيناً ويعلم معي كل منصفٍ أنها مظاهر تفقد ذلك اليوم معناه الحقيقي الذي يُفترض أن نحرص على غرسه في النفوس ؛ فالانتماء الذي يُفترض أن ننشُده عندما نحتفي باليوم الوطني يعني الكثير والكثير ، ولأن اليوم الوطني أكبر في معناه وأعمق وأسمى في دلالاته من كل ما سبق من مظاهر سطحيةٍ ومكرورة .

وفيما يلي بعض التصورات والآمال التي أتمنى أن نعيها وأن نعمل بها عندما نحتفي بهذا اليوم في المستقبل إن شاء الله تعالى ، ومنها :

= اليوم الوطني يوجب علينا جميعاً أن نحمد الله تعالى ، وأن نشكره بالقول والعمل والنية على ما نحن فيه من نعمٍ كثيرة لا يمكن أن نُحصي عددها، والتي من أجلَّها وأعظمها أننا ولله مزيد الحمد والشكر نعيش في وطنٍ واحدٍ مُتجانسٍ آمن مُستقر .
= اليوم الوطني يعني التأكيد على تمسكنا قيادةً وشعباً بالعقيدة الإسلامية السمحة ، التي نعلم جميعاً أنه لا عز لنا ، ولا مجد ، ولا فخر إلا بالتمسك الصادق بها في كل شأنٍ من شؤون الحياة .
= اليوم الوطني يعني أن يُحب الإنسان وطنه الذي يعيش فيه ، وأن يترجم هذا الحب أقوالاً صادقةً ، وأفعالاً نافعةً خيرة . وألاّ يدّخر جهداً في خدمته ونُصرته بكل ما يستطيعه ويملكه من إمكاناتٍ وطاقاتٍ وقدرات و استعدادات .
= اليوم الوطني يعني أن يظل الإنسان السعودي محورا فاعلاً وثابتا لكافة خطط وبرامج التنمية الشاملة في كافة مناحي الحياة ، وأن يعي تمامًا دوره الفاعل في تلك الخُطط والبرامج .
= اليوم الوطني يعني أن يتحقق للإنسان السعودي المزيد من الوعي الحضاري الذي يؤهله لتحقيق معنى الانتماء ، وإدراك أهمية دوره الإيجابي والفاعل في استمرار مسيرة الخير والعطاء والبناء بإذن الله تعالى .
= اليوم الوطني يعني الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل الوطن ، وعدم السماح لأي عابثٍ أو حاقدٍ أو حاسد أو دخيلٍ بالإخلال بأمن الوطن أو المزايدة عليه ، واستشعار هذه المسؤولية العظيمة عند كل فردٍ من أفراد المجتمع فيصبح الجميع عيوناً ساهرةً لحماية الوطن وحفظ أمنه واستقراره .
= اليوم الوطني يعني التأكيد على المزيد من الإخلاص في العمل ، وبذل الجهود الكفيلة - إن شاء الله تعالى - بتحسين الإنتاج وجودة المخرجات في مختلف المجالات والميادين العلمية والعملية .
= اليوم الوطني يعني أن يعي كل مواطن صغيراً كان أو كبيراً ، ذكراً أو أُنثى ، متعلماً أو غير متعلم ، دوره الفاعل في مهمة بناء الوطن انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم :” كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته ” .
= اليوم الوطني يعني إتاحة الفرصة لأبناء الوطن لتحقيق معنى الانتماء للوطن ، وتنشئتهم على حب العمل الجاد، ودعوتهم للمشاركة في مختلف القضايا الاجتماعية ، ومنحهم الثقة في أنفسهم للنقاش والسؤال والحوار الجاد ، والمشاركة الفاعلة ووضع الحلول ، حتى يتحقق ارتباطهم بالوطن ، ويصدق انتماؤهم له .
= اليوم الوطني يعني تكريس معنى ومفهوم الوحدة الوطنية في نفوس أبناء المجتمع جميعاً ، ولاسيما أن بلادنا معنيةٌ بتحقيق الأنموذج الرائع والمثل الحقيقي لتلك الوحدة التي دمجت شمال البلاد بجنوبها ، وربطت شرقها بغربها ، فكانت نتيجة ذلك وحدة الأرض والفكر والمشاعر و الطموحات والآمال .
= نعم إن الانتماء للوطن يتحقق في أجمل صوره وأروع معانيه ، عندما نعلم ونتيقن أن اليوم الوطني ليس يوماً واحداً في العام ، ولا ينحصر في وقتٍ مُتكررٍ كل عام ، كما أنه ليس مناسبةًٌ تنتهي بانتهاء تاريخها المحدد ؛ لكنه عند الصادقين المخلصين يوم يمتد ويستمر كل أيام العام ، فكان لزاماً علينا أن نُجدد التذكير فيه بما علينا من واجباتٍ تجاه هذا الكيان ، وأن نعمل على تعزيز الانتماء للوطن بأن نُترجم الأقوال إلى أفعال ، وأن نحول الطموحات والآمال إلى حقائق وأعمال .

وما أكثر ما يحتاجه منا هذا الوطن الغالي ، ولاسيما أننا يجب أن نقف فيه مع كياننا العظيم للنظر والتأمل في هذه الأسئلة الثلاثة لتي تقول :

- كيف كنا ؟
- وأين نحن ؟
- وإلى أين نتجه ؟
وبعد ؛ فما أجمل و ما أروعٌ أن نرى هذا الوطن في يومه الوطني وهو يسعد بحضارةٍ إسلاميةٍ مُعاصرة ، تنطلق في عالميتها من منهج وتعاليم ديننا الإسلامي الخالد الذي يقوم الأمر فيه على هدي كتاب الله العظيم ، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، المدعومة بعزيمة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه ، وعدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وسيف علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه ، وعلم عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
والله تعالى أسأل أن يوفقنا جميعاً في وطننا الغالي خاصةً ، وأوطان المسلمين عامةً لما يُحبه ويرضاه ، والحمد لله رب العالمين .


بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المساعد
ومدير مركز البحوث التربوية بكلية المعلمين في أبها
E.mail:abo_arrad@hotmail.com
 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية