اطبع هذه الصفحة


وقت صلاة الاستسقاء .. وهذه التساؤلات

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

 
الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على خير من تعلَّم وعلَّم ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا عزيز يا غفّار . أما بعد :

فكُلنا نعلم أن صلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدة ، وهي واحدةٌ من الصلوات التي سنّها معلم الناس الخير ( صلى الله عليه وسلّم ) وأعلنها في الناس ، وخرج لها إلى المُصلى . وهي صلاةٌ يؤديها العباد عند انحباس القطر وعدم نزول الغيث أو تأخره ، فيتوجهون إلى الله تعالى بالصلاة ، والدعاء ، ويُكثرون من الاستغفار ، وطلب الغوث ممن له خزائن السموات والأرض جل في عُلاه .

وقد جرت العادة أن يُعلن الإمام عن إقامتها قبل موعدها بأيام حتى يستعد الناس لأدائها ، ويحضرون إلى المصلى المُخصص لإقامتها في وقتٍ مُحدد - جرى العرف عليه - بين الناس في بلادنا ، وربما في غيرها من بلاد المسلمين ، وهو وقت صلاة العيد الذي عادةً ما يكون بعد طلوع الشمس بوقتٍ يسير .

وهنا أقف مع مسألة تحديد وقت أداء صلاة الاستسقاء الذي يُمثل مُشكلةً تحتاج من عُلمائنا الأفاضل إلى إعادة نظر ، وبخاصةٍ أن غالبية الناس يظنون أنه وقتٌ مفروضٌ ، وأنه لا يصح أداء هذه الصلاة إلاّ فيه ، الأمر الذي يحول - كما يعلم الجميع - دون أن يؤديها كثيرٌ من الناس الذين يكون أغلبهم مشغولون بالذهاب إلى أماكن أعمالهم ، أو إيصال أبنائهم أو زوجاتهم إلى المدارس وغيرها من أماكن العمل المختلفة .

ولذلك فإنه لا يؤدي هذه الصلاة إلا أعداد قليلة من الناس ، بينما يُحرم الكثيرون من أدائها لارتباطها في أذهان الناس بهذا الوقت الذي هو في الحقيقة أحد الأوقات التي يمكن أن تؤدي فيها ؛ وهو ما يقول به أهل العلم الذين يرون أن هذه الصلاة يمكن أن تؤدى في كل وقتٍ ، ما عدا أوقات الكراهة التي نُهي عن الصلاة فيها . فقد جاء في كتاب ( المجموع ) للنووي ( 5 /77) قوله :
" في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه :
أحدها : وقتها وقت صلاة العيد .
الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر .
والثالث : وهو الصحيح ، بل الصواب : أنها لا تختص بوقت ، بل تجوز وتصح في كل وقتٍ من ليلٍ ونهار , إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين . وهذا هو المنصوص للشافعي , وبه قطع الجمهور وصححه المحققون " .

وليس هذا فحسب ، فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) ( 3/308 ) ما نصه :
" إذا كان الاستسقاء بالدعاء ، فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت , وإذا كان بالصلاة والدعاء , فالكل مُجمعٌ على منع أدائها في أوقات الكراهة , وذهب الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقتٍ عدا أوقات الكراهة . والخلاف بينهم إنما هو في الوقت الأفضل , ما عدا المالكية فقالوا : وقتها من وقت الضحى إلى الزوال , فلا تصلى قبله ولا بعده "
والمعنى أنه يجوز أن تؤدى صلاة الاستسقاء بعد أي صلاة من الصلوات المفروضة التي يجتمع فيها الناس .

وبناءً على ما تقدّم ، فإنني أطرح مسألةً أرى أنها تُشكِل إلى حدٍ ما على فئةٍ ليست باليسيرة من الناس ، و تشغل الكثيرين منهم ، وتحتاج إلى تجليةٍ وبيان حتى لا يُحرم عباد الله من أداء هذه الصلاة مع إخوانهم المسلمين بسبب عدم اختيار الوقت المناسب وتعارضه مع مصالحهم الدنيوية اللازمة والضرورية ، وأقول مستعينًا بالله تعالى :

= لماذا لا تؤدى صلاة الاستسقاء في غير الوقت المعروف الذي جرى العُرف أن تؤدى فيه ولاسيما أن في الأمر سعةٌ ولله الحمد؟
= ولماذا لا يتصدى العُلماء والدعاة والخُطباء لمثل هذه القضية التي تستحق أن تُسلط عليها الأضواء ، ولاسيما أنها من أمور الدين التي يُفترض أن يعلمها ويتعلمها الناس ؟
= ولماذا لا تؤدى صلاة الاستسقاء بأي صورةٍ من صورها ( صلاةً أو دعاءً ) في وقت الضُحى مثلاً ، أو بعد صلاة الجمعة حينما يكون الناس مجتمعين ومهيئين لذلك ، أو بعد صلاة الظهر ، أو العصر ، أو المغرب ، أو العشاء ، ونحو ذلك ؟
= ولماذا لا يُستقطع بعض الوقت اليسير في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والكليات وأماكن العمل في مؤسسات المجتمع المختلفة لأداء صلاة الاستسقاء جماعة داخلها بمختلف الصور التي يمكن أن تؤدى بها ، وبذلك نضمن أن غالبية الناس قد تمكنوا من أدائها وليس التأخر عنها ؟
= وهل من الضرورة أن يكون أداء صلاة الاستسقاء محصورًا في يومي الاثنين أو الخميس دون غيرهما من أيام الأسبوع ؟

وختامًا أقول :
هذه بعض التساؤلات التي أتمنى أن تجد إجاباتٍ شافيةٍ وواقعية لما يقتضيه واقع الناس وحالهم وحاجاتهم وضروراتهم ، والله تعالى أسأل أن يوفقنا جميعًا لما فيه التوفيق والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .

 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية