اطبع هذه الصفحة


النصراني المُتحدي وابن رشيق رحمه الله
2012/02/26

عبدالرحمن بن عبدالله الصبيح

 
بسم الله الرحمن الرحيم


قرأ أحد النصارى تحدي الحريري في مقاماته أن يزيد أحد على هذين البيتين بيتاً ثالثاً:


سم سمة يحسن آثارها ## واشكر لمن أعطى ولو سمسمة.
والمكر مهما استطعت لا تأته## لتنتقي السؤدد والمكرمة.


ولا أعلم أهناك من انبرى لهذا التحدي فحاول أن يجاريه ويكسره أم أنه بقي حبيس الكتاب. المهم أن هذا النصراني كان يطوف على المسلمين ويقول لهم ألستم تقولون أن قرآنكم معجز، وقد عجز عن الإتيان بمثله المتقدمون والمتأخرون وذلك إلى قيام الساعة، وكان هذا النصراني غاية في الأدب واحترام للقرآن والإسلام حتى لا ينفر المسلم منه، فإن أقر المسلم بهذا الإعجاز أتى له بهذين البيتين وقال: هذان البيتان تحدى صاحبهما أن يكملا بثالث ولم يستطع أحد أن يزيد عليهما بيتا واحدا إلى يومنا هذا!!
ويقول: إنني لا أقول إنهما قران، أو أنهما مثل القرآن، حاشا لله، ويُظهر من احترام القرآن ما لا تستطيع معه قول شيء ثم يقول: ولكنه ذات التحدي!
فكان يطوف على المسلمين بهذا فيعجزون عنه فحصل به شر كبير وفتنة عظيمة.
حتى أسقطه الله في يد الشيخ ابن رشيق وكان شابا صغيرا حينها، فاتخذ معه ذات الأسلوب. يقول ابن رشيق فأُسقط في يدي وركبني الهم. وعلمت أنني مهما أتيته بحجة فإنها لن تسكته ما لم أزد على البيتين بيتا ثالثا ولكنى أخذت أشرح وأرد وأطيل كسبا للوقت وكل ذهني منشغل بهذين البيتين، وهو لا يزيد إلا أن يقول: نعم سبق أن سمعته، هذا قاله لي فلان وفلان، كل هذا أعلمه!
حتى ألمهني الله التتمة، فقلت: ومع ذلك أنا أذكر لك بيتا ثالثا لا أذكر قائلة، ولم أرَ نسبته لنفسي لأني قدرت أنه إن فعلت ذلك فلن يقع منه موقعه، ثم أنشدته قولي:


والمهرَ مهرَ الحور وهو التقى## بادر البكرة والمهرمَة!


فلما سمعه وأعدته عليه وأفهمته إياه فكأنما ألقمته حجراً، ورأيت فيه من الذل والإنكسار ما لم أره في جميع ما ذكرت من المآخذ الأصولية، فأثنى عليّ، وقيّد أصحابه البيت. وخنس وانقطع قطع الله دابرهم.!
رحم الله الحريري ما علم أي باب فتح بتحديه هذا، ورحم الله ابن رشيق فقد كان ابن ذلك الموقف. والقصص المشابهة كثيرة التي يوفق الله سبحانه فيه عبده إذا رآه منتصرا لدينه، ولو عرضت هذه المعضلات في وقت الرخاء والسكينة والدعة ما استطاع إليها سبيلاً.
ولعل ابن رشيق رحمه الله صدق مع الله سبحانه فصدق الله معه، وقد كان كل همه أن ينصر الإسلام لا أن ينتصر لنفسه أو يُبرز ذاته، فلما رأى أن نِسبة هذين البيتين لمجهول سالف أوقع تأثيرا من نسبتها لنفسه نسبها لذلك المجهول نُصرة لله سبحانه وتنازل عن حق نفسه، فهل الدعاة إلى الله اليوم كابن رشيق رحمه في صدقهم وتجردهم؟

 

عبدالرحمن  الصبيح
  • الخطب المنبرية
  • رسائل ومقالات
  • الصفحة الرئيسية