هل أصبحت يوما طريح الفراش ؟
كلنا ذلك الرجل .
ونعوذ بالله من صفات المنافقين الذين وصف النبي صلى الله عليه وسلم حالهم مع
المرض بقوله : ومثل المنافق مثل الأرزة المُجذِية التي لا يصيبها شيء حتى
يكون انجعافها مرة واحدة . رواه مسلم .
يعني أن المنافق مثل تلك الشجرة الجامدة التي لا تؤثر فيها الرياح ، ومعنى
المُجذية : أي الثابتة ، ومعنى حتى يكون انجعافها مرة واحدة : أي سقوطها دفعة
واحدة ، والأرزة شجرة مثل شجرة الصنوبر ، وهي التي في عَلَمِ لبنان !.
قال النووي – رحمه الله – : قال العلماء معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام
فى بدنه أو أهله أو ماله وذلك مكفر لسيئاته ورافع لدرجاته ، وأما الكافر
فقليلها وان وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته بل يأتي بها يوم القيامة
كاملة .
وفي حديث أبي هريرة – وهو في الصحيحين – : ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا
تهتز حتى تستحصد .
وأما حال المؤمن مع المرض ، فقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح تصرعها مرة وتعدلها حتى يأتيه
أجله . رواه مسلم ( وهو أول الحديث السابق ) .
وهذا الحديث رواه مسلم أيضا من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه .
فهل تأملت المرض وما يُصيبك وما يُصيب
أولادك ؟
1 -
ربما كان المرض رفعة للدرجات ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ن العبد إذا
سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في
ولده ثم صَبّرَه على ذلك حتى يُبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى .
رواه أبو داود وغيره ، وصححه الألباني .
2 –
ربما كان كفارة للذنوب ، كما قال عليه الصلاة والسلام وقد دخل على أم السائب
أو أم المسيب فقال : مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين قالت : الحمى
لا بارك الله فيها ! فقال : لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب
الكير خبث الحديد . رواه مسلم .
وكما قال عليه الصلاة والسلام : لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده
وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة . رواه أحمد وغيره .
3 –
ربما كان طريقا للسلامة !
كيف ذلك ؟
أ –
عن طريق الابتلاء بالأخف دون الأكبر .
ب –
عن طريق قتل الأمراض ومسبباتها من الفيروسات بأمراض أخرى ، كما هو الحال في
أمراض العين وكما هو الحال في الزكام ونحوه .
وكنت أتأمل مرة في الأمراض ، فقلت في نفسي بالنسبة للكبار قد يكون رفعة مراتب
وقد يكون تكفير ذنوب وسيئات ، فما بال الصغار ؟
فتذكرت عندها قول الله : ( لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون ) .
ولكني ألتمس الحكمة من ذلك ، فإن الحكيم سبحانه منزه عن العبث ( أفحسبتم أنما
خلقناكم عبثا ) ؟ ، والحكيم لا يفعل فعلاً ولا يأمر بأمر إلا لحكمة بالغة .
وتذكرت عندها قول الشاعر :
لا تجزعنّ لمكروه تـُصاب به ***** فقد يؤدّيك نحو الصحة المرضُ
واعلم بأنك عبدٌ لا فكاك لـه ***** والعبد ليس على مولاه يعترض
نعم . قد يؤديك المرض نحو الصحة ، وكما قيل :
فربما صحت الأبدان بالعلل .
فكم من مرض ذفع الله به أمراضا كُثـُـر .
وكم من علة كانت سبب شفاء أمراض أخرى .
فكم محنة في طيها منحة ، ورب علة كانت سبب الصحة ، كما قال ابن القيم – رحمه
الله – .
إلى غير ذلك من الحكم البالغة التي لولا خشية الإطالة لذكرت كثيرا منها .
وسوف أذكر لا حقا قصة وقعت قبل سنوات يتبيّن من خلالها أنه ربما كانت العلة
والمرض بل ربما كانت المصيبة سببا في الشفاء بلطف الله سبحانه وتعالى .