عندما قرأت تلك القصة وقفت ... وتأملت ... وتعجبت
رجل تصيبه السهام ولا يتحرّك
من يكون ذلك الرجل ؟
أكان لا يُـحـس ؟!
أم كان نائمـاً ؟!
أم كان ميتـاً ؟!
كلا
لا هذا ولا ذاك
بل كان واقفاً منتصباً صافاً قدميه متجها بقلبه وقالبه إلى القبلة
فتتابعت عليه السهام الواحد تلو الآخر
وهو ينزع السهام ولا يتحرك ولا يضطرب
ولولا خوفه على حبيبه ما تحرّك
أدع
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدّثنا بالقصة
روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر
رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني في غزوة
ذات الرقاع – فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين ، فحلف – يعني المشرك – أن
لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه
وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا . فقال : من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب
رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُـونا بِـفَـمِ الشِّعب . قال :
فلما خرج الرجلان إلى فَـمِ الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ،
وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم ، فوضعه فيه ،
فنزعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عرف
أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الــدمّ قال :
سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن
أقطعها .
وفي رواية لأحمد :
فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال : سبحان الله ألا أهببتني ؟
قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع الرمي
ركعت فأريتك ، وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها .
عجيب والله ... كم هو عجيب
أن يتعايش مع صلاته ومع كلام ربِّـه حتى لا يأبه بالسهام !
ولولا خشية إضاعة ثغر وكّله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ما قطع صلاته
ولا قراءته حتى ولو خرجت روحه !
ولم تكن تلك حالة فريدة بل لها نظائر في حياة السلف
فهذا عروة بن الزبير يُحدّث عنه ابنه هشام فيُخبر أن أباه عروةَ بنَ الزبير
وقعت في رجله الآكلة ، فقيل ألا ندعوا لك طبيبا ؟ قال : إن شئتم . فقالوا :
نسقيك شرابا يزول فيه عقلك ، فقال : امض لشأنك ! ما كنت أضن أن خلقا يشرب ما
يزيل عقله حتى لا يعرف ربّه !! فوُضِع المنشار على ركبته اليسرى ، فما سمعنا
له حسا فلما قُطِعتْ جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت لقد عافيت
.
وما ترك جزأه بالقرآن تلك الليلة .
ورده وجُزأه هو المهم عنده !
ولذا قال سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم : إن في الصلاة لشغلا . رواه أحمد
وأبو داود والترمذي وابن ماجه .
وهذا عبد الله بن الزبير يُصلي في الحرم فيُرمى بالمنجنيق من قبل جيش الحجاج
، فما يتحرك ولا يضطرب وهو في صلاته !
وهذا ميمون بن حيان يقول : ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قط خفيفة
ولا طويلة ، ولقد انهدمت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته ، وإنه لفي
المسجد في صلاة فما التفت .
ألا تعجون معي ؟!
كيف هي صلاة القوم ؟؟
وكيف حضور قلوبهم في الصلاة ؟
فكيف هي صلاتنا اليوم ؟!!
لا تُعرضن بذكرنا مع ذكرهم = ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد !
إنما نقضي أعمالنا ، وننجز مشاريعنا ، ونبني بيوتنا ، ونفتح أسواقنا ، بل
ربما أصلحنا ما تعطّل أو فسد أو انكسر في بيوتنا ونحن في صلاتنا !!!
لا تُعرضنّ ..!!
فننصرف ولا ندري كم صلينا
وننصرف ولم تؤثر فينا صلاتنا
ثم نتساءل أليس ربنا قال في محكم كتابه : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) فما بالنا لا ننتهي عن كل فحشاء وكل منكر ؟
تردّ علينا صلاتنا
ألم يقل ربنا في أول الآية : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَأَقِمِ الصَّلاةَ ) وهنا بعد تأتي ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )
فها هو حال القوم تلاوة بخشوع وتدبّر مع إقامة للصلاة وليس مجرّد أداء بل
إقامة تامة حسنة كما تُقام القداح وتصفّ فهذه الصلاة هي التي تؤتي أكلها بإذن
ربها ، وهي التي تنهى فعلاً عن الفحشاء والمنكر .
" إن الرجل ليصلي ثم ينصرف ما كتب له إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها سدسها
ثمنها تسعها عشرها "
فكم لك من صلاتك ؟
وكم لي من صلاتي ؟
ليس لنا منها إلا ما عقلنا ووعينا وأدركنا
رحماك ربنا رحماك ما عبدناك حق عبادتك