هناك بعض التصرفات التي تصدر ممن يعتادون المساجد فيها أذىً لإخوانـهم
المصلّين أحببت التنبيه على شيء منها ، ومنها :
1.
الروائح الكريهة :
كروائح الثوم والبصل والكراث
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في خطبته – : ثم إنكم أيها الناس تأكلون
شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمَـرَ به فأُخرِجَ إلى
البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً . رواه مسلم .
وقال جابر بن عبدالله : نـهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل
والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها ، فقال : « من أكل من هذه الشجرة المنتنة
فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس » رواه مسلم .
فقوله : فَغَلَبَتْنا الحاجة : أي الجوع والفقر . وفي حديث أبي سعيد – الذي
رواه مسلم أيضا – قال : لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس
جياع ، فأكلنا منها أكلا شديدا ، ثم رحنا إلى المسجد فَوَجَدَ رسول الله صلى
الله عليه وسلم الريح فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا
في المسجد .فتبيّن بـهذا أنـهم لم يأكلوها إلا من حاجة وفاقـة وجوع ، لا
أنـها عذر في التّخلّف عن الجماعة كما يظنّه بعض الناس ، بل كان من يأكلها
يُطرد من المسجد كما كان المنافق يُمنع من الخروج للجهاد ، فهذا من العقوبات
لمرتكبي المخالفات ، وكلٌّ بحسبه .
ويتّفق العقلاء على أن روائح الدخان أخبث من روائح البصل والثوم ، مع أن
البصل والثوم فيهما فائدة ، والدخان مُضـرّ بل فيه أضرار جسيمة يُدركها
المدخّنون قبل غيرهم .
ومن الروائح المؤذية للمصلين روائح الجوارب التي طال لبسها .
فتجنّب أخي المسلم أذيّة إخوانك المسلمين بأي رائحة كريهة ، وليعلم المسيء
بروائحه أنه يؤذي حتى الملائكة
ومِنْ الروائح المؤذية : روائح العَرَق ، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة
قالت : كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار
يصيبهم الغبار والعرق ، فيخرج منهم العرق ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم إنسانٌ منهم – وهو عندي – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لو أنكم
تطهرتم ليومكم هذا » .
وقالت رضي الله عنها: كان الناس مَهَنَةَ أنفسِهم ، وكانوا إذا راحوا إلى
الجمعة راحوا في هيئتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم رواه البخاري .
2.
الأصوات غير المرغوبة :
أ - الجـوّالات
وأسوأ ما يُصنع فيها ما أُدخِل عليها
من نغمات موسيقية ، وربما كانت ألحانا لبعض الأغاني . فيا مسلمون ألم يَبقَ
غير الموسيقى ندخلها مساجدنا ؟ ألا فليتّق الله من يفعل ذلك ، وليُغلق جهاز
الجوال قبل الدخول في الصلاة ، أوْ لا يُحضره أصلاً فإن المساجد لم تُعمر
لذلك حتى لا ينشغل ويُشغل غيره . وصَلِّ صلاة مودّع ، ورأيت بعضهم يرد على
الجوال فور انتهاء الصلاة .
ولست أدري كيف تحضر قلوب هؤلاء أثناء الصلاة وأحدهم مشغول البال بأجهزته
المحمولة ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا صلاة بحضرة الطعام ،
ولا هو يدافعه الأخبثان » . رواه مسلم .
ولست أدري مرة أخرى لماذا يُحضر الجوّال في صلاة الجمعة والكسوف ؟ وأي ضرورة
تدعو إلى حمله في تلك المواطن .
ب -
أصوات تنظيف الأنف !!
بعض المصلّين بمجرّد أن يُسلّم من
الصلاة يُقرّب علبة المناديل ويتناول منديلاً أو أكثر ثم يبدأ بعصر أنفه
وتنظيفه مصدِراً أصواتاً تتقزّز منها نفوس المصلّين ، وربما أدّى ذلك إلى
خروج بعض المصلين ممن كان ينوي البقاء في المسجد ليذكر الله أو يقرأ القرآن ،
فيتسبب ذلك الذي يُنظّف أنفه بصوتٍ عالٍ – ربما – في الصّـدّ عن سبيل الله من
حيث لا يشعر .
أما علم هؤلاء أن تنظيف الأنف لـه أماكن خاصة ، ومحله من الوضوء قبل أو بعد
غسل الوجه على روايتين ، والذي عبّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (
الاستنثار ) وقال ( فلينتثر ) أي يجعل الماء في انفه عند الوضوء ويدفعه
بالهواء ، ويكون ذلك في دورات المياه حتى يأتي إلى لمسجد نظيفاً متطهراً ، ثم
إذا حدث شيء وأراد أن ينظّف أنفه فليخرج من المسجد ويُنظّف أنفه ولا يؤذي
المصلين ولا يكون شافعاً لـه أن يستتر بطرف ثوبه ما دام أنه سيُصدر أصواتاً
مرفوضة ، وبعض المصلين يُخفي وجهه ثم يعزف (سمفونية) أنفه ، ويُعقبها بـ (
أخٍ ثم تُفّ ! ) وهذا يتكرر منه بعد كل صلاة ، والأدهى من ذلك أنه يُسمع كل
من كان في المسجد .
ولو قُدِّرَ أن هذا فعله أحد في بيت مسؤول من المسؤولين لَـعُدّ هذا من سوء
الأدب في مجالس الأكابر ، فكيف وهو في بيت من بيوت الله ، ويُسيء الأدب مع
الله ؟
وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً أصحابه وهم يرفعون أصواتـهم بالقرآن
فقال : « ألا إن كلكم يناجي ربه ، فلا يؤذي بعضكم بعضا ، ولا يرفعن بعضكم على
بعض في القراءة » رواه الإمام مالك في الموطأ والحاكم وقال : صحيح على شرط
الشيخين ، ورواه غيرهما ، وهو حديث صحيح .
إذا كان هذا في قراءة القرآن الذي هو قُربة إلى الله تعالى فكيف بغيره من
الأصوات التي تؤذي المسلمين ؟ وربما كانت سبباً في الصدّ عن سبيل الله .
ومثال ذلك : أن ينوي مصلٍّ أن يقعد في مصلاّه بعد صلاة الفجر ويذكر الله حتى
تطلع الشمس طلوعاً حَسَنَاً ومن ثم يُصلّي ركعتين ، فما يفجأه إلا تلك
الأصوات وقد تعالت ، فيُصاب بالاشمئزاز والنفور وربما خَرَجَ من المسجد ،
فأخشى أن يأثم من يفعل ذلك .
ويُصرّ بعض المُصلِّين أن يُسمع الناس إذا تمخّط أو نظّف أنفه ، كأن يكون
يُريد الخروج من المسجد مُتّجهاً إلى الباب وقبل الباب يقف ويُنظّف أنفه
متمخّطاً بصوت يسمعه كل من في المسجد . ألا يستطيع أن ينتظر لحظة حتى يخرج ؟!
ت -
أصوات التّجشؤ :
وهو ما يُسمّى بـ ( التّغار أو
التّراع ) وهو صوت يُخرجه الشبعان ، مصحوباً بروائح ما في المعدة .
وقد تجشّأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لـه : كُفّ عنّـا جُشاءك ،
فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة . رواه الترمذي وغيره .
3.
اصطحاب الأطفال دون سنّ السابعة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر » .
قال بعض العلماء : لا يؤمرون إلا إذا بلغوا سبع سنين كاملة . أي دخلوا في
الثامنة ، ولا يمنع تعليمهم الصلاة في البيوت قبل ذلك حتى إذا حضروا للمساجد
وإذا هم يُحسنون الوقوف في الصفّ والتأدّب بآداب المساجد .
وبعض الناس يستدل بما وقع من دخول الحسن والحسين المسجد وهما صبيّان صغيران
أو دخول ابنة بنته صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت أبي العاص - ، ومن عجيب ما
سمعت أن يَعُدّه بعضهم سنة ، فيأتي بصبيانه لأشرف البقاع فيؤذون المصلين حتى
في الحرمين ، وبعضهم أحضر صبياً غير مميز فبال في المسجد ، ثم زاد الطين
بِلّة بأن استدلّ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالجواب على هذا من وجهين :
أولاً :
أن هذا وقع اّتفاقاً ، ولم يُحضرهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد
ابتداءً . وما وقع اتّفاقاً ليس مما يُتّخذ سنة ، كنـزوله تحت شجرة أو صلاته
في مكان على طريق سفره ، ولذا أمَرَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة
التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحتها .
روى ابن أبي شيبة عن نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة
التي بويع تحتها . قال : فأمر بـها فَقُطِعَتْ .
ويدل هذا على أن ما وقع اتّفاقاً منه صلى الله عليه وسلم ليس محل استدلال ولا
تعبّد ، بخلاف ما وقع تعبّداً أو أمَـرَ به أو فَعَلَه ابتداءً .
وثانياً :
أن ذلك إنما حصل مرة واحدة ، ولم يكن شأنه وديدنه كحال بعض الآباء الذي كلما
خَرَجَ جاءته الأوامر باصطحاب الطفل للمسجد لا يُشغلنا بالصياح ! وكأن المسجد
دار حضانة !
والصغير غير المميّز يقطع الصف ، ويأثم من يأتي به إلى المسجد ، لما يتسبب في
وجود فرجة في الصف ، ولما يُسببه كثير من الأطفال من إزعاج للمصلين ، وربما
تسبب في إشغال مُصلٍّ أو أذهب عنه الخشوع .
وقد رأيت من يأتي بصبيانه دون سنّ السابعة وقد أُلبِسُوا ما يُبدي الفخذ !
أين تعظيم شعائر الله ؟ ، وأين تربية الناشئة على تعظيم بيوت الله ؟
(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
) [الحج:32].