هذا منطق امرأة عاقلة ، تعلم علم يقين أنها مسؤولة عما تقول ، محاسبة عليه ،
مَجزيّـة به .
قالت عائشة رضي الله عنها : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش
عن آمري : ما علمت ؟ أو ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ،
والله ما علمت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع . رواه البخاري ومسلم .
ومعنى تُساميني : تعاليني من السمو ، وهو العلو والارتفاع ، أي تطلب من العلو
والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب ، أو تعتقد أن الذي
لها عنده مثل الذي لي عنده . قاله ابن حجر .
هذه جارة أو ضرّة ، وعادة الضرائر الكيد ، إذ أن عائشة رضي الله عنها وزينب
بنت جحش رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وما استغلت قضية
التنافس لإسقاط جارتها ، والإضرار بضرّتها.
ومع ذلك قالت هذه المقولة العظيمة بكل تجرّد وإنصاف : يا رسول الله أحمي سمعي
وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا .
من التي تستطيع مثل تلك المقولة ؟
ومن التي تحمي سمعها وبصرها ؟
وتلك الجارية عاقلة سُئلت عن مثل ذلك ، فَحَمَتْ سمعها وبصرها
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : يا بريرة هل رأيت فيها
شيئا يريبك ؟ فقالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت منها أمراً أغمصه
عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين ، فتأتي الداجن فتأكله !
رواه البخاري ومسلم .
وتلك أم أيوب رضي الله عنها ألمحت لأبي أيوب رضي الله عنه حول ما يدور ،
فقالت لأبي أيوب : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب
. أفكنت يا أم أيوب فاعلة ذلك ؟ قالت : لا والله ! قال : فعائشة والله خير
منك . فلما نزل القرآن وذكر أهل الإفك قال الله عز وجل ( لَوْلا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا
وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) ذكره ابن كثير .
إن حماية السمع والبصر مطلب ضروري ، خاصة أمام أعراض عباد الله .
ولذا قال عز وجل : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
)
وقال عليه الصلاة والسلام : ومن قال في مؤمن ما ليس فيه ، أسكنه الله ردغة
الخبال حتى يخرج مما قال . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
فأعراض عباد الله مرتعها وخيم .
فالمسلمة في فسحة من أمرها وفي سعة ما لم تقول أو تتكلم ، فإذا تكلمت أو قالت
أُخذت وحُوسبت على مقالتها .
قال عليه الصلاة والسلام : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم
تعمل أو تتكلم . رواه البخاري ومسلم .
فإذا تكلّم أو عمِل جرى عليه القلم ، ومن ثمّ يُحاسب على ما قال .
إن بعض النساء ربما جلست في المجلس الواحد فتناولت عشرات الأعراض ، وربما
اتهمت بريئة في عرضها ، أو حَكَمَتْ على مظلومة بأنها ظالمة ، وهكذا في سلسلة
يطول سردها .
فمن أين لها الخلاص والنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم .
إنها لو تركت أعراض عباد الله لما سُئلت : لِـمَ تركت فلانة ولم تتكلّمي فيها
؟
لكنها إذا تكلّمت سُئِلت .
فإن كان ما قالته باطلاً فكيف تخرج منه ؟
إن تلك الكلمات ربما كانت سببا في إشاعة الفساد في المجتمع المسلم .
ولذا لما حذّر الله المؤمنين من الوقوع في أعراض المؤمنين والمؤمنات قال :
( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا
لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ
عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن
نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ
اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
ثم قال سبحانه وتعالى بعد ذلك مباشرة :
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
ليُعلم أن القول والكلام ربما كان سببا في إشاعة الفاحشة وانتشار الفساد في
المجتمع المسلم .
وربما كان التطاول على الأعراض سببا في هلاك القائل ومن قيل فيه .
وربما كانت سببا في فساد دنيا المتكلِّم إذا بلغ ذلك الكلام من قيل فيه ،
وكان مظلوماً فدعا على ظالمه ، ومن أشاع ضدّه ذلك القول .
كما هنا :
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/140.htm
وليس هذا في عالم النساء فحسب بل حتى في عالم الرجال .
فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يذبّ عن عرض أخيه المسلم .
قال كعب بن مالك رضي الله عنه : ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني
سلمة : يا رسول الله حبسه برداه ، ونظره في عطفيه . فقال معاذ بن جبل : بئس
ما قلت ! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا . فسكت رسول الله . رواه
البخاري ومسلم .
فهل نحمي أسماعنا وأبصارنا أن نقول في مؤمن أو مؤمنة ما ليس فيهما ؟
إننا بحاجة لمنطق زينب بنت جحش رضي الله عنها : أحمي سمعي وبصري ، والله ما
علمت إلا خيرا .
ولمنطق معاذ رضي الله عنه : ما علمنا عليه إلا خيرا .
فهل نُحسن الظن بإخواننا وأخواتنا ؟؟؟