قبل أكثر من ثلاث سنوات نُشِرَ في مجلة الدعوة الغراء وبالتحديد في عددها رقم
(1620) الصادر في 4 شعبان 1418 هـ تحت عنوان (
أيّ سرٍّ هذا ؟
) بقلم د. نعمان السامرائي ، وكان المقال يتحدّث عن تأثير القرآن على غير
المسلمين وممن لا يفهمون العربية ، وذكر أمثلة لذلك ، وذكر أيضا أن مجموعة من
الأطباء قاموا بإجراء دراسة لمعرفة أثر القرآن على المسلم وغير المسلم ،
فكانت النتائج الطبيّة التي تم قياسها بواسطة ( المَجَسّـات ) أن التأثر
الجسمي يحدث لدى المسلم والكافر ... إلخ .
وحدثني بعض الدعاة قال : كنا في الفلبين في صيف عام 1420هـ فحضر إلينا شابٌ
فلبيني نصراني الديانة ، وطلب إسماعه القرآن ، فواعدوه صلاة الفجر ، فحضر
وسمع القرآن من صوت نديّ ، وقارئ مجوّد ، ثم طلب إسماعه القرآن مرة أخرى ،
فواعده أحد الدعاة في الفندق الذي نزلوا فيه ، فحضر واستمع للمرة الثانية ،
قال : فتحدّرت دوعه على خدّيه ، برغم أنه أعجمي لا يُجيد ولا يفهم من العربية
حرفاً واحداً .
وفي رمضان الماضي من عام 1421هـ في المسجد الكبير في مدينة ( استراسبورغ )
الفرنسية طلب مسؤول الديانات في البلدية – وهو نصراني - أن يحضر للمسجد لسماع
القرآن ، فواعدوه صلاة العشاء فحضر وبيده ترجمة معاني القرآن باللغة الفرنسية
، وجلس في آخر المسجد ، وقد دلّوه على الموضع الذي سيقرأ منه الإمام في صلاة
التراويح ، وصلّى بنا قارئ مغربي ، وكان نديّ الصوت ، حافظ لكتاب الله ،
وتابع النصراني مع الإمام في قراءته ، وهو يقرأ تفسير الآيات - التي كان
يسمعها - من خلال ترجمة معاني القرآن ، وعند نهاية صلاة الراويح ، وإذا
بالرجل ترتعد يداه ، ويطلب من أحد الشباب أن يُمسك لـه المصحف ، فخاف ذلك
الشاب وخرج من المسجد حتى جاء شخص آخر وأمسك المصحف ، ويدا الرجل لا تزال في
رعدة .
فتذكرت قول الله عز وجل ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون *
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق )
ولا شك أن ما حصل لذلك النصراني من أثر سماع كلام الله تبارك وتعالى ، الذي
أَمرنا أن نـُسمعه حتى المشركين ، وكلام الله له تأثير قوي حتى على الجمادات
.
قال تبارك وتعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من
خشية الله ) .
ثم رجعت بالذاكرة إلى قصة جبير بن مطعم ، وقد قدم المدينة ، قال : سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : ( أم خلقوا
من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم
عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) قال جبير : كاد قلبي أن يطير . رواه
البخاري .
وفي رواية للبخاري أيضا قال جبير : وذلك أول ما وقـر الإيمان في قلبي .
فما بال قلوب كثير من الناس قست حتى جاوزت حدّ الصخر في الفساوة ، بل لعل
بعضها يهزأ بالصخر قساوة ، ثم إنهم عن ذكر ربهم وتلاوة آياته معرضون ،
ولكتابه هم يهجرون ؟
( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) .
=
فائدة =
قال ابن القيم :
هجر القرآن أنواع :
أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها ، فيطلب
شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به .
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . انتهى كلامه – رحمه الله – .