قرأت مقالاً كتبته إحدى الأخوات نقلت فيه كلاماً للكاتبة " يمان السباعي "
حول تقبيل المرأة ليد زوجها .
تقول الكاتبة :
إنني لا أستطيع أن أتصور وجود رجل يقول : ربي
الله ، يطلب أو يرضى من زوجته أن تركع لتقبيل يده أو رجله !!
لا أستطيع تصور ذلك .. لكنه حدث ويحدث ، وما يزال يحدث في عشرات الآلاف من
بيوت
المسلمين - وفيهم الدعاة وكبار العلماء - باسم الإسلام ، والإسلام من هذا
الإذلال الشاذ بريء . إنني أقول : لا أستطيع تصور ذلك ، لأنني لا أستوعب
الكيفية التي يفكر بها رجل مسلم وهو يجرح كرامة امرأة مسلمة ، استودعها الله
أمانة عنده ، فيثير في قلبها حقداً دفينا على نفسها وعلى حياتها وعلى الإسلام
الذي تُرتكب مثل هذه الحماقات باسمه - وهو منها بريء - ولو أخْـفَتْ ذلك
وأنكرته في نفسها ، وأرغمت نفسها على الرضا بهذا الوضع الشاذ الذي اجتهدتُ
اجتهادا كبيرا في استخراج أصول له من الكتاب والسنة فلم أجد له أي أصل في
ديننا . انتهى كلام الكاتبة .
ولما رأيت هذا القول مُجانباً للصواب
أحبت بيان الحق في هذه المسألة ، فأقول وبالله التوفيق :
مسألة تقبيل اليد اختلف أهل العلم فيها في أصل المسألة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وإنما اختلفوا في تقبيل اليد ، فأنكره مالك
وأنكر ما رُوي فيه ، وأجازه آخرون ، واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا
من الغزو حيث فرّوا قالوا : نحن الفرارون ، فقال : بل أنتم العكّارون ، أنا
فئة المؤمنين . قال : فقبلنا يده . قال : وقبّل أبو لبابة وكعب بن مالك
وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم . انتهى كلامه .
وتقبيل يد العالم أو من له فضل
جائز
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن عبد الرحمن بن رَزين قال : مررنا
بالرّبذة ، فقيل لنا : ها هنا سلمة بن الأكوع . قال : فأتيته ، فسلمنا عليه ،
فأخرج يديه فقال : بايعت بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرج كفّـاً
له ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبّلناها .
وقال الألباني رحمه الله : حسن الإسناد .
وروى البيهقي في السنن الكبرى زياد بن فياض عن تميم بن سلمة قال : لما قدم
عمر رضي الله عنه الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فقبّل يده
، ثم خلوا يبكيان . قال : فكان تميم يقول : تقبيل اليد سنة .
فيجوز للطالب تقبيل يد شيخه إكراماً له وتقديراً وإجلالا ، إلا أنه ينبغي أن
لا يكون هو عادة الإنسان وديدنه ، ولئلا يكون سبب فتنة لشيخه .
ومثله تقبيل البنت ليد أبيها
فقد روى أبو داود عن أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلاًّ
برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها ، كانت إذا دخلت عليه
قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت
إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها .
والتقبيل هنا تقبيل إكرام وإجلال ، وهو وإن لم يكن صريحاً في اليد إلا أن
اليد داخلة في عموم التقبيل .
ومثله تقبيل الزوجة ليد زوجها لِعِظم
حقه عليها
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الزوج : حق الزوج على زوجته أن لو
كانت به قرحة فلحستها ما أدّت حقّه .
وقال : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولا
تؤدي المرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها على قتب لأعطته .
قال شمس الحق العظيم أبادي : هو حث لهن على مطاوعة الأزواج ، ولو في هذه
الحال ، فكيف في غيرها ، وقيل : كُـنّ إذا أردن الولادة جلسن على قتب ،
ويقُلن أنه اسلس لخروج الولد ، فأريدت تلك الحالة . اهـ .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت
فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت . رواه
الإمام أحمد .
وكان سخط الله وغضبه مرتبط بسخط الزوج على زوجته إذا كان بحق ، فقال عليه
الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي
عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها . رواه مسلم .
بل إن الملائكة تلعن من باتت وزوجها غاضب عليها لقوله عليه الصلاة والسلام :
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبَتْ ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة
حتى تصبح . رواه البخاري ومسلم .
ولما أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في حاجة ففرغت من حاجتها قال لها
النبي صلى الله عليه وسلم : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم . قال : كيف أنت له ؟
قالت : ما ألوه إلا ما عجزت عنه . قال : فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك
ونارك . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى .
فلو قـبّلت الزوجة يد زوجها لكان ذلك
أداء لبعض حقه ، ثم إنه من حُسن المعاشرة .
وحق الزوج على زوجته عظيم ، ولا شك
أنه أعظم من حق الشيخ على تلاميذه
وقد عظّم الإسلام حق الزوج على زوجته ، وقد ذكرت طرفاً منه آنفاً ، وهنا
إشارة وزيادة :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=9787&highlight
ولو قبّل الزوج يد زوجته لم يكن فيه ثَمَّ محذور ، وهو من حسن العشرة أيضا .
ويكون تقبيل اليد في جميع الحالات ناتج عن تقدير واحترام لا عن ذلّ وخضوع .
قال النووي في روضة الطالبين : ولا يكره تقبيل اليد لزهد وعلم وكِبَرِ سِنّ .
اهـ .
وقال أيضا : وأما تقبيل اليد ، فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه أو علمه أو
شرفه وصيانته ونحوه من الأمور الدينية فمستحب ، وإن كان لدنياه وثروته وشوكته
ووجاهته ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة ، وقال المتول :ي لا يجوز ، وظاهره
التحريم .
وقال البهوتي في كشّاف القناع : فيُباح تقبيل اليد والرأس تديّنا وإكراما
واحتراما مع أمن الشهوة ، وظاهره عدم إباحته لأمر الدنيا ، وعليه يُحمل النهي
. انتهى .
وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرىء جزء في الرخصة في
تقبيل اليد ، ذكر فيه أحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين .
والله أعلم .