لو جاز مجـازاً أن يُعـدّ انتصارا ً ما قامت به وما تقوم به دولة الصليب سواء
في أفغانستان أو في العراق ، لو جاز عدّه انتصاراً لعُدّت الهزائم انتصارات !
لقد خرجت أمريكا تجـرّ أذيال الهزيمة من لبنان بعد أن واجهت أمريكا فتاة
انتحارية !
وانسحبت تسحب ذيول الخيبة من فيتنام !
وعادت أدراجها لم تُحقق شيئا يُذكر في دولة فقيرة جياع أهلها ، عادت من
الصومال دون أن تُقيم دولة أو توجد أمنـاً .
وتركت شرذمة من جنودها في أفغانستان ولملمت أوراقها ، وحاولت إخفاء هذه
السوأة بإحداث معارك بأسباب مفتعلة !
وهكذا تثبت أمريكا - في كل مرة تخوض فيها غمار معركة – تُثبت أنها ضعيفة !
كيف تقول : إنها ضعيفة ، وهي أقوى دولة ؟
أقول : إنها ضعيفة ؛ لأنها لم تُحقق نصراً يُذكر ، بل لم تُحقق شيئا إلا عن
طريق الخيانات !
ولو لم توجد طوابير ابن أُبيّ في أفغانستان أو في العراق لم تُحقق أمريكا
شيئا من ذلك .
والمتأمل في أفعالها يجدها تخبـط خبـط عشواء !
تضرب يميناً وشمالاً
تقصف بيوت الآمنين
وتهدم المستشفيات على المرضى
وتقتل الأطفال
وهذا بحـدّ ذاته يُعدّ ضعفـاً وعجزا
بل إن قوتها قامت على عجز كهذا العجز
فكيف فعلت بـ " هيروشيما " ؟
لما كلّت وملّت وعجزت وسُقط في يدها عمدت إلى القنبلة النووية فألقتها على
اليابان !
فاستعملت ما تنقمه على غيرها ! حيث استخدمت أسلحة الدمار الشامل !
لو كانت في موقف القوي المنتصر لما احتاجت لكل هذا التّخبّـط
ولما استخدمت آخر ما تستطيع استخدامه من قوة
ولما لجأت إلى الخونة يُمهدون لها الطريق
ولما قتلت بعض أفرادها بسلاحها !
ولما سقطت صواريخ " باتريوت " على مساكن ضباطها !
من حيث تُريد أن تُدافع عنهم !
إننا بحاجة إلى كشف هذه الحقائق لنزع الرعب الذي زرعته أمريكا في قلوب الناس
لقد زرعوا في قلوب أُناس أنها قادرة على قتل الفأر في جحره !
لقد زرعوا ذلك حتى صارت قلوب أُناس تنفر من صفير الصافر !
وحتى لكأن قلوبهم في جناحي طائر !
حتى قيل : إن كل ولاية من ولايات أمريكا عبارة عن دولة !
لقد أوشك القائل أن يقول : لا طاقة لنا بـ " بوش " وجنوده !
وهؤلاء لهم سلف ، فقد قيل : ( لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ
وَجُنودِهِ )
فكان رد الفئة المؤمنة : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً
كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
وقد قال المرجفون لما رأوا الأحزاب وقوّة المشركين : ( مَّا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا )
ويُخبر سبحانه وتعالى عن فرقة منهم : ( وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ
يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ
مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ )
ثم يكشف الله عز وجل عن دخائل نفوسهم : ( وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن
يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَارًا )
وأما المؤمنون فإنهم لما رأوا الجمع وكثرته ازدادوا إيماناً
( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاّ
إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )
ولما هُددوا بجمع الجموع ، وحشد الجيوش كان الردّ ( حَسْبُنَا اللّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )
نعم
الله مولانا ولا مولى لهم
الله ناصرنا ولا ناصر لهم
ويجب أن لا نُغفل حقيقة شرعية ، وسنة كونية
وهي أننا لا نُقاتِل عدوّنا بعدد ولا بعدّة
بل نُقاتلهم بدين الله عز وجل ، بالإيمان بالله عز وجل ، باجتناب أسباب سخطه
وغضبه .
قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة : يا قوم والله إن الذي تكرهون
للذي خرجتم له تطلبون ؛ الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ،
إنما نقاتلهم بهذا الدّين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى
الحسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة .
وحدّث عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال : حدَّثني حرسي معاوية أنه قدم على
معاوية بطريق من الروم يعرض عليه جزية الروم عن كل من بأرض الروم من كبير أو
صغير جزية دينارين إلا عن رجلين : الملك وابنه ، فإنه لا ينبغي للملك وابنه
أن يجزيا ، فقال معاوية وهو في كنيسة من كنائس دمشق : لو صببتم لي دنانير
جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة ، ولا يجزي الملك وابنه ما قبلتها منكم . قال
الرومي : لا تماكرني ، فإنه لا يماكر أحد مكراً إلا ومعه كذب . فقال معاوية :
أراك تمازحنى ! قال الرومي : إنك اضطررتني إلى ذلك ، وغزوتني في البر والبحر
، والصيف والشتاء . أما والله يا معاوية ما تغلبوننا بعدد ولا عدة ، ولوددت
أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج ، ثم خلّى بيننا وبينكم ، ورفع عنا وعنكم
النصر حتى ترى ! قال معاوية : ما له قاتله الله ! إنه ليعرف أن النصر من عند
الله .
فهذا النصراني – وهو عدو للمسلمين – يعلم أن المسلمين لا يُقاتِلون بعدد ولا
بِعدّة !
فهل يكون النصراني أفقه من بعض المسلمين .
ولم نُقاتل عدونا بكثرة عدد إلا في موطن واحد ، ومع ذلك كانت الكثرة هي سبب
النكوص
وإنما أُتي الجيش من كثرة عدده
( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) الآيات
.
فنحن بحاجة إلى مراجعة حساباتنا
وإلى النظر إلى القوة الحقيقية لا إلى القوة المادية وما أُحيط بها من هالة
إعلامية !