يُشرّف رب العزة سبحانه بعض الأماكن دون بعض .
ويُفضّل بعض الأشخاص على بعض ، كما فضل بعض الأنبياء على بعض .
ويُجعل لبعض المخلوقات حُرمة دون بعض
وقد جعل الله لبعض الشجر حُرمة وذلك بأن حرّم قطعه أو كسر شيء من أغصانه
فمنه ما حُـرّم لأجل حُرمة المكان كشجر مكة – حرسها الله –
ومنه ما حُـرّم لأجل ذات الشجر ، كالسّدر
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاطع السدر يُصوّب الله رأسه في
النار . رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
والسّدر ورد في القرآن في أكثر من
موضع ، فمن ذلك :
*
ما جاء في قصة المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ورؤيته لجبريل على صورته
التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح .
قال سبحانه وتعالى :
( أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى *
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا
جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ
الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )
روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قصة الإسراء والمعراج ، وفيه :
قال : ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي .
قال : ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك .
وفي رواية : ورُفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر ، وورقها كأنه
آذان الفيول ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فسألت
جبريل ، فقال : أما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران النيل والفرات .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه
وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج
به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها .
رواه مسلم .
ومِن المواضع التي ذُكر فيها السدر :
*
أن أصحاب اليمين من أصحاب الجنة في
سدر منـزوع الشوك .
قال تبارك وتعالى :
( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا
أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ *
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ )
الآيات .
جاء في تفسير السدر المخضود أنه الذي نُـزِع شوكه .
أو أنه الموقّر بالثمر . قال بهما ابن عباس رضي الله عنهما .
قال قتادة : كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه .
قال ابن كثير بعد أن نقل الأقوال فيه : والظاهر أن المراد هذا وهذا ، فإن سدر
الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ، وفي الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه وفيه
الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله .
ولولا فضل السدر لما جُعل في الجنة .
ومِن المواضع التي ذُكر فيها السدر :
*
في خبر سبأ :
( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ
ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ )
وللسدر خصائص ومزايا ، فمن ذلك :
أنه يطرد الهوام ، ولذلك قال عليه
الصلاة والسلام لمن كُنّ يُغسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من
ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا . رواه البخاري ومسلم .
وقال في شأن المحرِم الذي وقصته ناقته : اغسلوه بماء وسدر . رواه البخاري
ومسلم .
وهو نافع – بإذن الله – للتداوي به من السّحر والعين والرّبط
ولذا ينصح العلماء به ، فيُوصون بأخذ سبع ورقات سدر برّي ثم يُقرأ فيها
وتُطحن ثم توضع في ماء ويُغتسل ويُشرب منه .
ومن فوائده ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال :
والنبق ثمر شجر السدر ، ويعقل الطبيعة ، وينفع من الإسهال ، ويدبغ المعدة ،
ويُسكن الصفراء ، ويغذو البدن ، ويشهى الطعام ، ويولد بلغما ، وسويقه يقوي
الحشا ، وهو يُصلح الأمزجة الصفراوية ، وتُدفع مضرته بالشهد ، واختلف فيه هل
هو رطب أو يابس على قولين ، والصحيح أن رطبه بارد رطب ، ويابسه بارد يابس .