ما أن تزلّ بنا القدم حتى يُسارع " إبليس " ليُرابي بالخطأ والزلل !
ويوحي - بمكر وكيد - إلى صاحب الزلّـة أن لا مكان لك فارجع وراءك !
ويُشعره أن عليه أن يتخلّص من زلّته قبل أن يصطف في صفوف المصلّين أو يؤاخي
الصالحين
ثم يُلقي في روعه أن العمل للدّين من مسؤولية الصالحين
أما أنت – الخطّاء – فليس لك في هذا ناقة ولا جمل !
ويظفر " إبليس " بقعود هذا عن نُصرة دينه
ويفوز بتخلِّيه عن الثغر الذي كان يُرابط عليه
قيل للحسن البصري : ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ، ثم يعود ، ثم
يستغفر ، ثم يعود ؟ فقال : ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملوا من
الاستغفار .
هذا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقع في زلّـة فما يترك الشيطان
يُرابي في زلّته
لم تُقعده معصيته عن الجهاد في سبيل الله !
بل تحسّر لما مُنِع من خدمة دينه بسبب معصيته فأحسّ بذلّ المعصية فحلف أن لا
يرتكبها !
هذا هو أبو محجن الثقفي رضي الله عنه كان يشرب الخمر ولم يبحث عن عذر ليقعد
عن خدمة دينه ، كما أنه لم يُجيّر ذنبه ليكون عُذراً له
روى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه قال :
أُتيَ سعد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر ، فأمر به إلى القيد ، وكانت
بسعد جراحه فلم يخرج يومئذ إلى الناس . قال : وصعدوا به فوق العذيب لينظر إلى
الناس ، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة ، فلما التقى الناس قال أبو محجن :
كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا = وأترك مشدوداً على وثاقبا
فقال لامرأة سعد : أطلقيني ولك الله عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي
في القيد ، وإن قتلت استرحتم مِنِّي . قال : فحلّته حين التقى الناس ، فوثب
على فرس لسعد يُقال لها : البلقاء ، ثم أخذ رمحا ، ثم خرج فجعل لا يحمل على
ناحية من العدو إلا هزمهم ، وجعل الناس يقولون : هذا مَلَك ! لما يرونه يصنع
، وجعل سعد يقول : الضبر ضبر البلقاء ، والطعن طعن أبى محجن ! وأبو محجن فى
القيد ، فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد ، وأخبرت امرأة
سعد سعداً بما كان من أمْرِه ، فقال سعد : لا والله لا أضرب بعد اليوم رجلا
أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم ، فخلى سبيله ، فقال أبو محجن : قد
كنت أشربها إذ يُقام على الحد وأُطهّر منها ، فأما إذ بهرجتني فلا والله لا
أشربها أبدا .
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة : وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن بن سيرين
قال : كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر ، فلما أكثر عليهم سجنوه
وأوثقوه ، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون - فذكر القصة - وفيه : أن سعدا
قال : لولا أني تركت أبا محجن في القيد لظننتها بعض شمائله ، وقال في آخر
القصة : فقال : لا أجلدك في الخمر أبدا ، فقال أبو محجن : وأنا والله لا
أشربها أبدا ، قد كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم ! فلم يشربها بعد .
( والضبر هو عدْو الفرس ، ومعنى " بهرجتني " : أي أهدرتني بإسقاط الحد عني )
كما في كُتب اللغة والغريب .
أرأيتم كيف كان يستحسر أن يُحرم من خدمة دينه ، ومن الوقوف في مواقف يُحبها
الله ورسوله ؟؟
وكان ذلك أشد ما كان عليه رضي الله عنه أن يُحرم من شهود تلك المشاهد !
وهذا رجل آخر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تغلبه نفسه فيقع في الزلل ،
فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عما وقع منه .
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى
المدينة ، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت ،
فقال له عمر : لقد سترك الله لو سترت نفسك . قال فلم يرد النبي صلى الله عليه
وسلم شيئا ، فقام الرجل فانطلق ، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه
وتلا عليه هذه الآية : ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا
مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فقال رجل من القوم : يا نبي الله ! هذا له خاصة ؟
قال : بل للناس كافة .
وفي رواية : أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
فَذَكَرَ ذلك له . قال : فنزلت : ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) قال : فقال الرجل : ألي هذه يا رسول الله ؟
قال : لمن عمل بها من أمتي .
إن القعود عن العمل ، وترك نُصرة دين الله ، والتعذّر بالمعصية ، هذه خطايا
تُضاف للمعصية الأولى ، وزلاّت تُضاف للزلّة الأولى !
فحذار من التعامل مع بنك الشيطان في تعظيم خطيئة الإنسان ! حتى يرى أن له
مندوحة في التّواري خلف معصيته ، والاستتار وراء خطيئته !
فيحمله ذلك على التّنصّل من المسؤولية
وتوزيع المهام على غيره
والانزواء في ركن " العُصاة الخاملين "
لو لم يَعِظ في الناس من هو مُذنب = فمن يَعِظ العاصين بعد محمد ؟!