اطبع هذه الصفحة


ولكنكم تستعجلون

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
لما سُقت خبراً عن حاملة لواء الصليب ، وأثار ذلك الخبر ما أثار من غَيظ القلب ، وكَمَد الصدر ، وحُرقة النفس ، فجاءت الكلمات تُـعـبِّـر عن نفثات مصدور !
لما كان ذلك جاءتني رسالة عتاب رقيق مَفَادها :

لماذا شغلت نفسك بلعن الكفّار ؟
وهل كان ذلك من هَدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أو كان ذلك من ردود أفعال أصحابه رضي الله عنهم ؟

وكان مما تضمنته رسالة العتاب : ( إني لأحسب لو ناديت : " حيّ على الجهاد " لهبّ خَلْفك أُناس تتلهّف نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله وإلى ساحات الوغى )

فقلت وأقول :

أولاً :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الكفار وسبّهم .
فقال يوم الخندق :
ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس . رواه البخاري ومسلم .
وقال أيضا :
شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا ، أو قال : حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا . رواه البخاري ومسلم .
وجاء عمر بن الخطاب يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسبّ كفار قريش . رواه البخاري ومسلم .

وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء في القنوت :
اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ،اللهم خالف بين كلمتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي .

وقال عبد الرحمن بن هرمز الأعرج : ما أدركت الناس إلا وهم يَلعنون الكَفَرة في رمضان .

وسبّ الكفار قُربة وطاعة إلا إذا أفضى إلى مفسدة ، كما في قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )
وقد نقم المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يَعيب دينهم وآلهتهم !
فقد قالت قريش لأبي طالب : يا أبا طالب بن أخيك يشتم آلهتنا ، يقول ويقول ، ويفعل ويفعل ، فأرْسِل إليه فانهه . رواه الإمام أحمد وغيره .

قال الحافظ ابن حجر : الكفار مما يُتقرّب إلى الله بسبِّـهم . اهـ .

وثانياً :
أما قول المعاتِب : لو ناديت " حي على الجهاد " فأقول : لست خيالياً ، ولا آيسا أو مؤيِّساً !
ولست من يقول : هلك الناس !
ولا ممن يقول :

اكسر مجدافك

ولكني أحب أن أكون واقعياً
فلو نظرنا نظرة سريعة لصفوف الناس في صلاة الفجر لعلِمنا قدر الدِّين في نفوس الناس .
وصلاة الفجر هي مقياس الإيمان
وإني لأخرج إلى صلاة الفجر فأتوهّم أن الحي مهجور !
والله يشهد أني أخرج إلى صلاة الفجر في بعض الأيام فلا أرى أحداً يمشي إلى صلاة الفجر ، وربما رأيت الرجل أو الرجلين !
فكيف نطمع في النصر على العدو وهذا حالنا مع صلاتنا ؟

لا يُصنـع الأبـطـال إلا *** فـي مساجدنـا الفِسـاح
فـي روضـة القـرآن فـي *** ظل الأحاديـث الصحـاح
شعـب بغـيـر عقـيـدة *** وَرَقٌ يُـذّرِّيِـه الـريـاح
من خان " حي على الصلاة" *** يَخون " حي على الكفاح "

كيف نطمع في النصر ونحن لم نكسب الجولة الأولى مع العدو المبين ؟
كيف نُريد النصر وأكثر الناس يسهرون على ما حرّم الله ثم لا يُصلّون الفجر ؟!


كيف .. وكيف .. ؟

ونحن نرى أن اهتمام الناس بدنياهم أضعاف أضعاف اهتمامهم بدِينهم
بل لا يُكاد يُذكر الاهتمام بالدِّين إلى جانب الاهتمام بالدنيا
لننظر إلى حال الناس عند بداية يوم دراسي !
أو مساهمة مالية ولو كانت محرّمة
كيف يتهافت عليها الناس
وكيف يزدحمون عليها
وما مدى إقبالهم عليها غير آبهين بحلال أو حرام
وكيف نرى إقبال الناس على التخفضيات ! وعلى اغتنام الفُرص واستغلالها
وهم قد أعرضوا عن فرص الآخرة إلا من رحم الله
ولا ترى من يرفع بالدِّين رأساً إلا القليل
فالله المستعان

أكرر :
لست آيسا ولا قانطاً ، فالنصر قريب ولكننا نستعجل النصر قبل انتصارانا على شهواتنا وحظوظ أنفسنا

جاء خباب بن الأرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قال : قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟
قال : كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يَصدّه ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون . رواه البخاري .

هكذا نحن .. نستعجل
نُريد قطف الثمرة قبل نضجها
نريد النصر قبل أن ننتصر في أول خطوة
نريد التمكين ولم نُحقق الإيمان
نريد أن ينصرنا الله ولم ننصر دينه
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )

" ولكنكم تستعجلون "
روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا في قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) : كان بينهما أربعون سنة . وقال ابن جريج : يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة .

قال مرزوق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها !

والنّصر آتٍ ، ولكنه يحتاج إلى انتصار على الأنفس والشهوات .

ربيع الآخر / 1425 هـ
 

عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية