قال الله عز وجل : (
فلينظر الإنسان إلى طعامه
) كيف كان مبتدؤه ؟
(
أنا صببنا الماء صبا
) من المزن ، وهي السحاب ، ثم اختزنته الأرض في بطنها على هيئة مستودعات
يُستخرج منه بقدر الحاجة ، أو جرى على ظهرها على هيئة أنهار وعيون .
ثم تأمل (
أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم
أنزلتموه من المُزن أم نحن المُنزلون
)
ثم تأمل منّـة الله على البشرية عموما (
لو نشاء جعلناه ) الآن (
أجاجا
) مالحا غير صالح للشرب (
فلولا تشكرون
) .
(
ثم شققنا الأرض شقا
) فلو كانت صلبة لم تُنبت ، فهل استشعرت المِـنّـة في ذلك (
أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم
نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه ) بعد
استواءه (
حطاما فظلتم تفكهون
) ووقوعه بعد استواءه أشد حسرة ،
وأعظم ندامة .
(
فأنبتنا فيها حبا
) فهو سبحانه وحده الذي يُنبت الأشياء
، فهل تأملت (
أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون
) .
(
وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق
غلبا * وفاكهة وأبا )
وهذا من فضل الله عليك أن جعل البقعة الواحدة من الأرض تُنبت الأنواع
المتعددة ، كما في قوله تعالى (
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من
أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضّـل بعضها على بعض في
الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون )
فهي تنبت الأنواع المتعددة متاعا للناس وللأنعام .
فسبحان من جعل النباتات ترد موردا واحدا من الماء ، وتصدر مصادر شتّى في
الثمار وما يجنى منها .
فذلك حلو، وآخر حامض ، وثالث مر ، ورابع نافع ، وخامس ضار ، وهكذا ...
فسبحان من هذا صُـنعه .
(
هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين
من دونه )
والسؤال :
هل جلست يوما على مائدة طعامك ثم
تأملت تلك الآيات من سورة ( عبس ) فرأيت كيف كان طعامك ؟ ثم ماذا أصبح ؟
وكم يد سخّرها الله لك حتى وصلك الطعام بهذا الشكل وبتلك الحلّة القشيبة .
انظر إلى دورة الحياة في طعامك .
تأمل
– على سبيل المثال – هذا الخبز الذي لا يستغني عنه الناس .
كان حبَّـاً في الدكان ثم اشتراه الفلاّح فرماه في الأرض بعد أن شقها ووضع
فيها ما يحتاجه من أسمدة ثم تعاهده بالسقي فلما استوى على ساقه جلب من يحصده
، ثم دُرِس فخرج الحب من السنابل ، ثم جمعه فباعه ، فاشتراه الخباز ثم طحنه
الطحان ، ثم تولى الخباز مرة أخرى معالجة النار وتولّي حرّها ، ثم أخرجه بهذه
الأشكال ، فأتيت به إلى بيتك سهلا ميسّرا ، ووضعته على سفرة طعامك ، ثم أكلته
هنيئا مريئا .
وخذ
مثالا آخر على اللحم الذي تأكله بشكل يومي ، تأمل تلك الدابة الصغيرة شربت من
لبن أمها ثم أكلت من نبات الأرض ثم ذُبحت فقطعت فجيء بها إليك .
فهل تأملت ماذا أكلت ؟
وعلى أي شيء عاشت ؟
وماذا خلّفت ؟
إن ما تخلفه البهائم أو الدواجن يُعاد إلى الأرض فيستخدم كأسمدة وأغذية
للنباتات التي تعود مرة أخرى لتكون طعاما سائغا لبني آدم .
وهكذا اللَّـبَن فإنه يخرج من بين فرث ودمٍ لبنا خالصا سائغا للشاربين .
ثم تأمل ما ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا للدنيا .
قال عليه الصلاة والسلام : إن مطعم بن آدم ضُرب للدنيا مثلا بما خرج من بن
آدم ، وإن قزحه وملحه ، فانظر ما يصير إليه . رواه أحمد وغيره .
ومعنى قَـزَحـه : يعني أكثر فيه التوابل والإبزار .
وملحه : أي جعل فيه الملح .
هكذا هي الحياة الدنيا .