كنت
أمشي في طريقي للمسجد ومعي ابني البالغ من العمر تسع سنوات ، فَلَفَتَ نظري
علبة ورقية ( كرتون خضار ) كُتِب على ناحيتيه م . محمد عبد الله ... ( يعني
مؤسسة محمد عبد الله ) .
فوقفت وأخرجت ( الكرتون ) وقطعت الجوانب التي عليها لفظ الجلالة ثم عدت إلى
البيت ورفعتها وأردت بذلك أمرين :
الأول :
رفع اسم الله عن الامتهان والقاذورات .
والثاني :
تربية الأبناء على تعظيم شعائر الله ، واحترام وإجلال اسم الله أن يُمتهن ،
فلما قطعت الجوانب التي عليها لفظ الجلالة دفعتها إلى ابني وسألته : تدري
لماذا قطعتها ؟ فنظر فيها وقرأ ما كتب قال : لأن فيها اسم الله .
وكنت قد عودتهم في البيت على رفع ما كان فيه اسم الله ووضعه في مكان خاص ،
يتم من خلاله تعظيم اسم الله ورفعه ، وتربيتهم على ذلك .
ولي على تلك الكتابة ( كتابة لفظ
الجلالة على العلب والصناديق والأكياس ) ملحوظتين :
الأولى :
كتابة لفظ الجلالة على علب ومعلبات مصيرها حاويات المخلفات ، وصناديق القمامة
، فَعَلى من كان في اسمه أو اسم أبيه لفظ الجلالة مراعاة ذلك ، لئلا يُمتهن
اسم الله تبارك وتعالى .
ويلحق بذلك ما إذا كان المحل يقع على شارع يكون لفظ الجلالة في اسم صاحب
الشارع ، كـ ( شارع عبد الله بن عباس ) أو ( شارع عبدالله بن الزبير ) وما
شابه ذلك ، فيُكتب على المغلّفات عنوان المحل دون أن يشعر بلفظ الجلالة ،
فيؤدي ذلك إلى امتهانه من حيث لا يشعر .
ويلحق بهذا الأوراق الرسمية التي كُتِبت البسملة عليها ، فعندما يفرغ منها
الموظف أو لا يكون له بها حاجة يمزقها ثم يرميها في سلة المهملات ، مع العلم
أنه يوجد في كثير من المكاتب ( فرّامات ورق ) وبالتالي لا يكون للفظ الجلالة
رسم في تلك الأوراق بعد تمزيقها .
وأعجبني أحد الموظفين فقد دخلت عليه في مكتبه وإذا عنده مظروف قد كتب علي (
القصاصات التي تشتمل على اسم الله ) وقد علق ذلك المظروف في المكتب بين
زملائه ، ثم يجمعها ويقوم بإحراقها بنفسه .
والثانية :
أن كتابة اسم العلم واسم أبيه دون
وجود فاصل ( ابن ) هو تقليد غربي ، إذ أن التبنـّي الذي أبطله الإسلام لا زال
موجودا عندهم وبالتالي يُضاف الاسم إلى الشخص دون لفظ ( ابن ) لأنه ليس ابنا
على الحقيقة ، وهذا يقع عندهم حتى في إضافة الزوجات إلى الأزواج ، فالمرأة
الغربية لا تحتفظ باسمها رغم دعاوى المساواة بين الجنسين !!
ويلحق بهذا كتابة اسم العائلة منسوبا إلى لفظ الجلالة كـ ( العبدالله ) أو (
العبد الرحمن ) وعليه فَقِس أسماء بعض العوائل التي في تنتسب إلى شخص اسمه
معبّد لله .
وهذا يقتضي إضافة صفة الله إلى العبد ، فيُصبح العبد هو ( الرحمن ) مثلا .
بخلاف ما إذا كانت النسبة ( آل عبد الرحمن ) ونحوها ، فلا محذور فيها ولا لبس
.
وفي رفع اسم الله رفع لمن رفع اسم الله ورفعة له في الدنيا والآخرة ، والجزاء
من جنس العمل .
قال محمد بن الصلت : سمعت بشر بن الحارث وسئل ما بال اسمك بين الناس كأنه اسم
نبي ؟ قال : هذا من فضل الله وما أقول لكم ، كنت رجلا عيارا صاحب عصبة فجزت
يوما فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم
) فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما ، فذهبت إلى
العطارين فاشتريت بهما غالية [ نوعاً من الطيب ] ومسحته في القرطاس فنمت تلك
الليلة ، فرأيت في المنام كأن قائلا يقول لي : يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا
عن الطريق وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة ثم كان ما كان . رواه أبو
نعيم في الحلية .
قال سعيد بن أبي سكينة بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل
يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال لـه : جوّدها فإن رجل جوّدها فغُفِـر لـه .
قال سعيد : وبلغني أن رجل نظر إلى قرطاس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم )
فقبّله ووضعه على عينيه فغفر له . ذكره القرطبي في التفسير .
ولا يعني هذا أنه كلما وجد المسلم ورقة فيها اسم الله رفعها وطيبها ، لكن
عليه أن يرفع اسم الله ، وأن يُبعده عن الامتهان ، وأن يُربي أولاده على ذلك
، فلا تمتهن الكتب الدراسية والأوراق المحترمة التي فيها شيء من القرآن أو
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل حتى كراساتهم إذا كان في أسمائهم أو
أسماء آبائهم لفظ الجلالة .
والصحف والمجلات لا تخلو من اسم الله عز وجل ، واسم الله شأنه عظيم ، فيجب أن
يُحترم ، ولا يُمتهن .
ولذا فإنه لا يجوز اتخاذ الصحف سُفرة للطعام كما يفعل بعض الناس ، كما لا
يجوز إلقائها في المزابل لما تشتمل عليه من اسم الله ، وأعظم منه إذا كانت
تشتمل على شيء من الآيات القرآنية .
كما لا يجوز الدخول بالصحف أو المجلات المشتملة على اسم الله لدورات المياه
وأماكن قضاء الحاجة لما فيه من امتهان لاسم الله عز وجلّ .
والله أعلم .