هذا عنوان صحفي تناقلته بعض الصحف عن رجل مصري اعتنى بشاربه فأطاله حتى بلغ
هذا الطول ، وحتى أصبح مفخرة يفتخر بها ، وتتسابق بعض الصحف في تسجيل السبق
الصحفي لهذا الخبر الهام !
وتضمن هذا الخبر وإظهاره محاذير منها
:
1 –
الاهتمام بتوافه الأمور كما هي عادة بعض – إن لم يكن كثير من وسائل الاعلام –
ومتابعة غير المفيد بل والضار للأمة ، ويترتب على ذلك إهمال ماهو هام ومفيد .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم : إن الله يحب معالي الأمور
وأشرافها، ويكره سفسافها . رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني .
2 –
إظهار هذا الأمر على أنه أمر عادي لا يحتاج إلى نكير .
حتى أصبح من الناس من يفتخر بشِاربه ! بل يُوصف الرجال بـ " طوال الشوارب "
!!
ولو تأملوا وعلموا من هو طويل الشوارب لما افتخروا به !!!
إن هذا الأمر – أيها الكرام - بحاجة إلى نكير لا إشهار وإقرار .
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : وُقّت لنا في قص
الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين
ليلة .
وقال عليه الصلاة والسلام : من لم يأخذ من شاربه فليس منا . رواه الإمام أحمد
والترمذي والنسائي وصححه الألباني .
والناس فيما يتعلق بالشارب طرفان ووسط .
فطرف رباه ونماه واعتنى به !
وطرف حلقـه وأزالــه !
والوسط من حف شاربه فوافق السنة ، ولذا كان الإمام مالك – رحمه الله – يقول :
يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ، وذكر ابن عبد الحكم عنه قال
: وتحفى الشوارب ، وتعفى اللحى ، وليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدب من
حلق شاربه .
وقال الإمام مالك في حلق الشارب : هذه بدع ! وأرى أن يوجع ضربا من فعله .
وقال ابن خويز منداد قال مالك : أرى أن يوجع من حلقه ضربا ، كأنه يراه
ممثِّـلا بنفسه .
وقال أشهب : سألت مالكا عمن يحفي شاربه ؟ فقال : أرى أن يوجع ضربا ، وقال لمن
يحلق شاربه : هذه بدعة ظهرت في الناس .
وهدي النبي صلى الله عليه على آله وسلم هو خير الهدي ، وقد كان صلى الله عليه
على آله وسلم يحف شاربه ، وربما أمر الحجام أن يأخذ من شاربه .
قال المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – : ضفت رسول الله صلى الله عليه على آله
وسلم . قال : وكان شاربي قد وفّـى ، فقصّه لي على سواك ، أو قال أقصه لك على
سواك . رواه أحمد وأبو داود وغيره ، وصححه الألباني .
وفي رواية قال : فوضع السواك تحت الشارب فقصّ عليه .
والنبي صلى الله عليه على آله وسلم عبّر – فيما يتعلق بالشارب - بألفاظ منها
:
( قص الشارب – حفّ الشارب – إحفاء الشارب – إنهاك الشوارب )
ولم أرَ في حديث واحد التعبير بلفظ ( حلق الشوارب ) مع أنه صلى الله عليه على
آله وسلم عبّر بهذا اللفظ فيما يتعلق بالنسك ، وفيما يتعلق بالعانة .
وعبّر فيما يتعلق بالإبط بالـ ( النتف ) .
فلما تباينت الألفاظ اقتضى الأمر التغاير في الأفعال .
وألفاظ الشارع مقصودة لذاتها .
وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى يُنظر إلى بياض الجلد ، ويأخذ هذين يعني بين
الشارب واللحية .
رواه البخاري عنه تعليقا .
وقصّ الشوارب لِـحِـكم منها :
1 -
مخالفة المشركين ، لقوله صلى الله عليه على آله وسلم : خالفوا المشركين ،
أحفوا الشوارب ، وأوفوا اللحى . رواه مسلم .
وقال أيضا : جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى . خالفوا المجوس . رواه مسلم .
فالمسلم مُستقل الشخصية ، صاف المعتقد .
2 -
ذكر ابن حجر من فوائد وحكم قص الشارب : الأمن من التشويش على الآكل ، وبقاء
زهومه المأكول فيه . وما ذكره ابن حجر ذكره الطبري قبله ، فإنه قال : وقص
الشارب أن يأخذ ما طال على الشفة ، بحيث لا يؤذي الآكل ، ولا يجتمع فيه الوسخ
. انتهى .
3 –
وأضيف على ما ذُكر : تقذّر الناس له ، بحيث إذا شرب ( طويل الشوارب ) من
الإناء وانغمس شاربه في الإناء كره الناس الشرب بعده ، واستقذروه .
ولذا جاء النهي عن النفخ في الشراب والتنفس في الإناء ، لئلا يتأذى الذي يشرب
بعده ، ولأمن انتقال الأمراض .
ولو لم يكن في قص الشارب إلا امتثال أمر النبي صلى الله عليه على آله وسلم
والاقتداء به لكفى .
كيف ومن لم يأخذ بشاربه فليس على سنة النبي صلى الله عليه على آله وسلم وليس
على هديه ؟
فهذا مما ورد في الشارب في قصّه وحفّـه وهدي النبي صلى الله عليه على آله
وسلم فيه ، أحببت إيضاح هذا الأمر ، لأن الناس أُمِروا بإكرام اللحى فما
فعلوا ، وأمِروا بإهانة الشوارب فما امتثلوا .
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم .
وسبحانك اللهم وبحمدك . أشهد أن لا إله إلا أنت . أستغفرك وأتوب إليك .