كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تُصدع ، فتضع يدها على رأسها وتقول :
بذنبي ، وما يغفره الله أكثر .
أي أنها ما تُصاب إلا بسبب ذنبها .
وهي بذلك تُشير إلى قوله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )
وحَـدّث عبيد الله بن السرى قال : قال ابن سيرين : إني لأعرف الذنب الذي حُمل
به عليّ الدَّين ما هو . قلت : لرجل منذ أربعين سنة : يامفلس !
قال عبيد الله : فحدثتُ به أبا سليمان الداراني فقال : قَـلّـت ذنوبهم فعرفوا
من أين يؤتون ، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى !
قال الفضيل بن عياض : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق حماري وخادمي .
وهذا الإمام وكيع بن الجراح – رحمه الله – لما أغلظ له رجل في القول دخل
بيتاً فعفّـر وجهه ، ثم خرج إلى الرجل . فقال : زد وكيعاً بذنبه ، فلولاه ما
سلطت عليه .
أي لولا ذنوبي لما سُلّطت عليّ تُغلظ لي القول .
ولما استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل كان عنده : مه ! فقال أبو
معاوية : دعه يشتفي ، ثم قال : اللهم اغفر الذّنب الذي سلّـطت عليّ به هذا .
هذا من فقـه المصيبة ، وهو فِقـه دقيق لا يتأمله كل أحـد .
فمتى أُصيب العبد بمصيبة لم ينظر إلى أسبابها وما هو مُقيم عليه من ذنوب ،
فقد نظر إلى ظاهر الأمر دون باطنه .
فينظر كثير من الناس إلى من أجرى الله على يديه تلك المصيبة التي ما هي إلا
عقوبة لذلك الذّنب ، ولولا ذلك الذنب لما سُـلِّـط عليه .
كما تقدّم في الآثار السالفة .
ينظر كثير من الناس إلى من باشر المصيبة ، ومن أجرى الله على يديه العقوبة ،
فينظرون إلى الظالم فحسب فيلعنونه ، ونحو ذلك .
وينظرون إلى من تسبب في حادث سير على أنه سائق غشيم لا يُحسن التصرّف ، ولكن
الناظر هذه النظرة يفتقد إلى تلك الشفافية التي نظر بها السلف أبعد مما هو
ظاهر للعيان .
وينظر الزوج إلى زوجته على أنها تغيّـرت طباعها أو ساءت أخلاقها ، دون التأمل
في الذّّنب الذي تسبب في ذلك .
كما تنظر الزوجة إلى زوجها على أنه تغيّر طبعه أو ساء خُلُقـه ، دون النظر في
الذنوب التي هي السبب في ذلك .
فكم نحن بحاجة إلى تلك النظرة الفاحصة التي ننظر بها إلى ذنوبنا قبل كل شيء .
فإذا وقعت مصيبة أو نزلت نازلة أو ساءت أخلاق من يتعامل معنا من أهلٍ وأصحاب
وجيران فلننظر في ذنوبنا الكثيرة : من أيها أُصبنا ؟
أمِنْ ارتكاب ما حرّم الله ؟
أم مِن تضييع فرائض الله ؟
أم مِن تخلّفنا عن صلاة الفجر ؟
أم مِن السهر المُحـرّم ؟
أم مِن إدخال ما حرم الله إلى البيوت من صور ومعازف ، وغيرها من وسائل تجلب
الشياطين ، وتتسبب في خروج الملائكة ؟
أم مِن الأسفار المُحرّمـة . سعيا في الأرض فسادا ؟
أم مِن ضعف مراقبتنا لله عز وجل ؟
أم ... أم ...
وتعـدّ وتغلـط ... مِن كثرة الذنوب العامة والخاصة .
أحببت تذكير نفسي وإخواني وأخواتي .
( وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ
مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
فرُحماك ربنا رُحماك
وعاملنا ربنا بلطفك الخفيّ
وعاملنا بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين .