في رمضان من عام 1421 هـ
كنت أسير في أحد شوارع مدينة " استراسبورغ " الفرنسية بثيابي البيضاء !
وغترتي البيضاء !!
وكنت إذا سافرت مُشرِّقاً أو مُغرِّباً سافرت بثيابي المعتادة ، وذلك لعدة
اعتبارات :
1 –
تميّـز المسلم عن الكافر
2 –
اعتزاز المسلم بِدِينه
3 –
مخالفة الكفار
4 –
أن الكفار إذا جاءوا إلى بلادنا لم يُغيّـروا ملابسهم ؛ فَـلِـمَ نُغيّـر
ملابسنا إذا سافرنا إليهم ؟
فكنت أمشي في أحد شوارع تلك المدينة وإذا بي اسمع صوتا التفت أبحث عن مصدر
الصوت ، وإذا هو شاب من الناحية الأخرى من الشارع يُشير إليّ بيده ، ويُصوّت
: شيخ .. شيخ
أردت أن أعبر الشارع إليه ، فأومأ إليّ بيده أن قف ، فوقفت ثم عبر الشارع
إليّ
سلّم عليّ بحرارة كأنه إلف يعرفني منذ زمن !
أخذني بحضنه !
قال : من بلاد الحرمين ؟
قلت : نعـم
أخذ طرف غترتي وضعه على وجهه ! .. أخذ يشـمّـهـا !
مسح بها وجهـه !!
قلت له : ماذا تصنع ؟
قال : بركـة !
ولـم أٌقِـرّه على فعله ذلك .
سألته عن اسمه ، فأخبرني
سألته عن جنسيته
فقال : وُلِدت في فرنسا وأحمل الجنسية الفرنسية
سألته عن أصله
قال : من بلاد المغرب العربي " من الجزائر "
سألته : مسلم أنت ؟
قال : نـعـم
قلت : لـم أرَك في المسجد رغم قُرب المسجد
قال : أستغفر الله يا ربي ! ما نِـيّـاش صايم !
قلت : هذا عذر أقبح من ذنب !
سألته : لماذا ؟
قال : وقع لي حادث فما صمت أول الشهر !
أخذ يحاول إقناعي بأنه مسلم !
قال : جدي مسلم ومجاهد
ثم أردف قائلا : قاوم الاحتلال الفرنسي .. قاتل الفرنسيين ! ثم وقع في الأسر
، فأرادوه على معلومات عن المجاهدين ، فما أعطاهم فلما أيسوا منه ألقوه من
طائرة على قمـة جبل !
قلت : وأنت مسلم وجدك مجاهد ولا تُصلّي ولا تصوم .. ماذا بقي لك من الإسلام
؟؟
قال : إذا جئت للمسجد تُعطيني مثل هذه ! وأشار إلى الغترة !
قلت : نعم . بشرط أن أراك في المسجد
انصرف الشاب وهو يعدني أن يأتي إلى المسجد وأن يُصلّي .
إن تميّـز المسلم بلباسه – لاسيما
الداعية – في مثل تلك المجتمعات يُعـدّ دعوة صامتة
وذكرني هذا الموقف بموقف آخـر يحمل في
طياته قـوّة الدعوة الصامتة
امرأة عربية سافرت إلى أوربا ، وكعادة
بعض نسائنا عندما يُسافرن إلى أوربا يخلعن جلباب الحياء ويتقـشّـرن ! من
ملابسهن
سافرت تلك المرأة إلى بلد أوربي ، لبست القصير لتظهر بمظهر ( حضاري ) !
وبينما كانت في أحد الأسواق إذا بها ترى منظراً غريبا في تلك البلاد
ترى امرأة قد غطّـت من رأسها إلى أخمص قدميها
لا يُرى منها شعر ولا ظفـر
توجّـهـت المرأة العربية ( المُقـشّـرة ) ! إلى الأخرى المحجبة
خاطبتها بِـحـدّة وزجرتها : مثل هذا اللباس تلبسينه هنا ؟
فضحتينا بلباسك !
فشّـلـتينـا !
المرأة المحجبة لم تفهم كلمة واحدة ، لكنها فهمت أنها هي المقصودة بتلك
الـنبـرة !
قالت لها بلغة أجنبية : تتكلمين الإنجليزية ؟
قالت : نعم
( تغيّـرت لغـة الحوار إلى الإنجليزية )
قالت : ماذا كنت تقولين ؟
قالت : ما هذا اللباس ؟ هذا اللباس يُلبس في بلادنا ! أنت هنا في أوربا ! هذا
اللباس تخلّـف !
ردّت المحجبة بكل هدوء : لكنني لست عربية !
وجاء الجواب الآخـر : أنا ألمانيـة
ونـزل الجواب الثالث نـزول الصاعقة : وأنا أسلمت منـذ ستـة أشهر فقط !
صُعقت المرأة العربية ( المُقـشّـرة )
أصابها ما يُشبه الدوار وهي تسمع تلك الكلمات
كيف ؟
وتوارد سيل من الأسئلة على ذهنها
كيف تمسكت بلباسها وهي لم تُسلم إلا منذ ستة أشهر ؟
كيف تخلّيت عن لباسي الإسلامي ، وأنا التي وُلدت من أبوين مسلمين ؟
كيف .. وأنا التي نشأت في بلد عربي مسلم ؟
كانت تلك الكلمات أقوى من كل موعظة
وتلك الكلمات إنما جرّهـا تمسّـك تلك المسلمة بلباسها
واليوم بعض الرجال وبعض النساء إذا سافروا حرصوا على أن لا يتميّـزوا بلباسهم
وأن يلبسوا لباس القوم
ويقول بعضهم : أخشى من المضايقـة !
ويقول آخرون : نخشى من الاستهزاء والسخرية !
الجواب في كتاب رب الأرباب : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ )
أعرف أحد الدعاة دار أقطار الدنيا !
وأظن أنه يندر أن يُسأل عن بلد إلا وقد زاره ، ومع ذلك لم يلبس يوما من
الأيام اللباس الإفرنجي !