ســؤالــي : مــا حــكــم مـــن
يــغــتــاب و يــقــول بــعــد ذلــك ...اســتــغـفــر الله ؟؟؟؟
أي : أن هــنــاك مــقــولــة لا تــحــضــرنــي الآن _ للأســف _ لإبن
تيـمـيـة _ و أتـمـنى الـبـحــث عــنـهــا أو ســـؤال المـــشايــخ _ أن
بــعــض الإســـتــغــفــار يــعــتــبر غــيــبــة !!!
و ذلـك لـما نــراه مــن بــعــض النـاس _ وخــصــوصــا النــســـاء للأســف_
أنــهــا تــغــتـــاب فــــلانــه ثــم تـــقـول بــعــد ذلــك
اســتـغــفــر الله .. و اســتـغــفــارهــا هــنــا لــيـس طــلــب
المــغـفــرة مــن الله بــل هــو نـــوع مــن أنــواع الــضــحــك و
الــســخــريــة !!!
أرجـــو مــنكــم الــبــحــث فــي المــوضــوع
الجواب :
بارك الله فيك أختنا الفاضلة عابدة الرحمن
وفي أختنا سهام الليل
بالنسبة للاستغفار الذي يحتاج إلى استغفار ، فقد سبق الكلام حوله في الرابط
الذي وضعته الأخت الفاضلة عابدة الرحمن
وأما كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – فقد قال :
فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره ، مع علمه أن المغتاب برئ
مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون ، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس
واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه ، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب
المصاحبة ، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم .
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى ؛ تارة في قالب ديانة وصلاح ، فيقول : ليس
لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ! ولا أحب الغيبة ! ولا الكذب ! وإنما أخبركم
بأحواله . يقول : والله إنه مسكين أو رجل جيد ، ولكن فيه كيت وكيت ! وربما
يقول : دعونا منه الله يغفر لنا وله ! وإنما قصده استنقاصه وهضما لجنابه .
ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يُخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا
، وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه .
ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول : لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان
لما بلغني عنه كيت وكيت ! ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده ، أو يقول : فلان
بليد الذهن قليل الفهم ! وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه .
ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة ، فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة والحسد ،
وإذا أُثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح ، أو
في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه .
ومنهم من يخرج الغيبة فيس قالب تمسخر ولعب ، ليُضحك غيره باستهزائه ومحاكاته
واستصغار المستهزأ به .
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجّب ، فيقول : تعجبت من فلان كيف لا يفعل
كيت وكيت ؟ ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت ؟ وكيف فعل كيت وكيت ؟ فيخرج اسمه
في معرض تعجبه .
ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول : مسكين فلان غمّـني ما جرى له ، وما تم له ،
فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف ، وقلبه منطوٍ على التّـشفّـي به ، ولو قدر
لزاد على ما به ، وربما يذكره عند أعدائه ليشتـفّـوا به ، وهذا وغيره من أعظم
أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه .
ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر ، فيُظهر في هذا الباب أشياء
من زخارف القول ، وقصده غير ما أظهر والله المستعان .
انتهى كلامه – رحمه الله – بطولِـه ، وهو كلام نفيس للغاية .
وفي شرح حديث " من قال : سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه ،
وإن كانت مثل زبد البحر " متفق عليه .
نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال حكاية عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في
حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم
العظام ، وليس من أصرّ على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل
المطهرين في ذلك ، ويشهد له قوله تعالى : ( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ
اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ )
انتهى .
وحقوق العباد مَبنيّـة على المُشاحّـة والمُقاصّـة ، فلا يكفي فيها مُجرّد "
أستغفر الله " بل لا بُـدّ من التحلل ممن اغتابه ما استطاع ، أو الثناء عليه
في المجالس التي اغتابه فيها .
قال صلى الله عليه على آله وسلم : من كانت لـه مظلمة لأحد من عرضه أو شيء
فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ
منه بِقَدْرِ مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فَحُمِلَ عليه
. رواه البخاري .
وهُـنـا فوائد فيما يتعلق بحقوق
العباد ، ضمن الفوائد المستفادة من حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله
عنه –
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال :
بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت :
يرحمك الله ! فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ! ما شأنكم تنظرون
إليّ ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني ، لكني سكت
، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله
ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني . قال : إن
هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن . أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية ، وقد جاء الله بالإسلام ، وإن
منّـا رجالاً يأتون الكهان .
قال : فلا تأتهم .
قال : ومنّـا رجال يتطيّرون .
قال : ذاك شيء يجدونه في صدورهم ، فلا يصدنّهم . أو قال : فلا يصدنكم .
قال قلت : ومنّـا رجال يخطُّون .
قال : كان نبي من الأنبياء يخطّ ، فمن وافق خطه فذاك .
قال : وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَـلَ أحد والجوانية ، فاطّـلعت ذات
يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها ، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون ،
لكني صككتها صكّـة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظّم ذلك عليّ .
قلت : يا رسول الله أفلا أعتقها ؟
قال : ائتني بها .
فأتيته بها فقال لها : أين الله ؟
قالت : في السماء .
قال : من أنا ؟
قالت : أنت رسول الله .
قال : أعتقها ، فإنها مؤمنة . رواه مسلم .
فوائد الحديث :
1 – أن الصلاة لا تنقطع بكلام الجاهل
والناسي ، بينما تنقطع بكلام العامد .
2 – أن الكلام الذي يكون في الصلاة إذا كان من لفظ القرآن لا تبطل به الصلاة
.
3 – التلطّف في تعليم الجاهل ، فقوله : فو الله ما كهرني أي ما انتهرني .
4 – حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأفته بأمته ، وشفقته بهم .
5 – تحريم إتيان الكهان . والكاهن هو من يدّعي معرفة الحوادث المستقبلية ،
ويدّعي معرفة الأسرار .
6 – عدم الالتفات إلى ما يدور في الصدر من الطيرة والوساوس ونحو ذلك .
7 – معنى " كان نبي من الأنبياء يخطّ " قال النووي : الصحيح أن معناه من وافق
خطه فهو مباح له ، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يُباح ،
والمقصود أنه حرام ؛ لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة ، وليس لنا يقين بها ،
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن وافق خطه فذاك " ، ولم يقل : هو
حرام بغير تعليق على الموافقة ، لئلا يتوهم متوهّم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك
النبي الذي كان يخطّ ، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع
بيان الحكم في حقنا ، فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه ، وكذا لو علمتم
موافقته ، ولكن لا علم لكم بها . انتهى .
8 – قِبَـلَ أُحـد والجوانية : أي جهة جبل أحد وموضع يُسمّى " الجوّانيّة "
شمال المدينة .
9 – جواز استخدام الجارية " الأمَـة " في الرعي ونحوه .
10 – آسف : أي أغضب .
وهو – رضي الله عنه – قد اعتذر عن نفسه بهذا الأسلوب حيث قال : وأنا رجل من
بني آدم آسف كما يأسفون . أي أغضب كما يغضبون .
11 – التشديد في حقوق الخلق ، والمُسامحة في حق الله .
فلما أخطأ معاوية رضي الله عنه وتكلّم في الصلاة لم يُعنّفه النبي صلى الله
عليه وسلم بل لم ينتهره ، ولما ذكر ما فعل بالجارية من ضربها ولطمها شدّد
النبي صلى الله عليه وسلم عليه ؛ لأن ذلك حقّ متعلّق بمخلوق ، وحقوق الخلق
مبنيّة على المُشاحّة والمقاصّة .
12 – جواز السؤال بـ : أين الله ؟
والجواب : أنه في السماء .
13 – من شهد أن الله في السماء وشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة
حُـكم له بالإيمان ، والسرائر أمرها إلى الله .
أما من شهد أن الله في كل مكان أو أنه لا يعلم أين الله ، فلا يُشهد له
بالإيمان .
14 – تشوّف الإسلام إلى العتق ، والمبادرة إليه ، فيدخل عتق الرقاب في كثير
من الكفارات .
والله أعلم .