من شروط وجوب الصيام - أن يكون مَن يَجبُ عليه الصيام مُقيماً ، فلا يجب
الصيام على المسافر ، لقولـه تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) [البقرة:185] .
وقد أجمع العلماء على أنه يجوز للمسافر الفطر .
والذي يظهر من الجمع بين الأحاديث أن المسافر يصحُّ صومُه ، إلا أن يشقّ عليه
.
وهل الأفضل في حقّ المسافر الصيام أو الإفطار ؟
كلٌّ بحسبه ، فَمَنْ كان الصيام في السفر أيسر لـه ، فالصيام في حقّه أفضل ،
وإن كان الفطر أقوى له فالفطر في حقِّه أفضل .
ولذا لما صام النبيُّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، وشقّ ذلك على الناس دعا
بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل لـه بعد ذلك : إن بعض
الناس قد صام ، فقال : أولئك العصاة . أولئك العصاة . رواه مسلم .
وقالت طائفةٌ من أهل العلـم : الصيام أفضل إذا استوى الفطر والصيام من حيث
المشقـة ،
وقالوا : لأن الصيام أبرأ للذمّـة .
وفي الصحيحين عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون ،
فلا يعيب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
وعند مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا تعب على من صام ولا على
مـن أفطر . قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شهر رمضان في حـرٍّ شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة
الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .
متفق عليه .
عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على
الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي
رخصة من الله ، فمن أخذ بـها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه . رواه
مسلم
وروى عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في رمضان فما يُعاب على الصائم صومه ، ولا على المفطر إفطاره .
وفي رواية له عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نغزو مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنّا الصائم ومنا المفطر ، فلا يجد الصائم على
المفطر ولا المفطر على الصائم ، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ، ويرون
أن مـن وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن .
أما إن كان هناك مشقّة ، فإن الصوم - والحالةُ هذه - ليس من البر .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظُلل عليه
، فقال : ما هذا؟ فقالوا : صائم ، فقال : ليس من البر الصوم في السفر . متفق
عليه .
فلا حرج عليك أخيه في الصوم أثناء السفر طالما أنه ليس هناك مشقة . والله
أعلم .