اطبع هذه الصفحة


هل يستطيع أحد أن يؤدي شكر نعم الله عليه ؟

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ لدي سؤال إذا تسمح وهو كالتالي:
هل نعم الله على الانسان يستطيع العبد ان يؤدي شكرها ويوفي ذلك
بمعنى انه مثلا نعمة البصر يستطيع يؤدي شكرها اذا تصدق الانسان بمليارات الريالات فإنه يوفي اداء شكر نعمة البصر،ام ان النعم عظيمة لايستطيع احد ان يوفي حق شكرها لأني سمعت احد المشايخ يقول ان نعمة البصر وزنت بعبادة 500 عام او نحو ذلك فرجحت نعمة البصر عليها .
وهل النعم ياشيخ تتفاوت نعم عظيمه ونعم صغيره وهل هناك نعم من نعم الله يستطيع الانسان ان يوفي شكرها كالنعم التي قد لايشعر بها الانسان مثل بعض الكماليات وغيرها
ومن الاذكار الحمدلله عدد كل شئ والحمدلله ملء كل شئ هل يعني ذلك ان نعم الله عددها عدد كل شئ ولذلك يقول الانسان ذلك وهل بقوله ذلك يكون حمد الله على كل نعمه وادى شكرها؟
ومعذرة ياشيخ عالإطالة والإكثار
وجزاكم الله خيرا

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .

لا أحد يستطيع أن يُؤدّي شُكر نِعم الله عليه ؛ لأن نِعَم الله لا تُعدّ ولا تُحصَى .
قال الله تعالى : (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) .
وتتفاوت النِّعَم على الناس عموما ، وعلى الإنسان في خاصة نفسه .

قال ابن القيم : الرَّبّ تبارك اسمه وتعالى جَدّه ولا إله غيره هو الْمُنْعِم على الحقيقة بِصُنوف النِّعم التي لا يُحصيها أهل سماواته وأرضه . 
فإيجادهم نِعمة منه .
وجعلهم أحياء ناطِقين نِعمة منه .
وإعطائهم الأسماع والأبصار والعقول نِعمة منه .
وإدرار الأرزاق عليهم على اختلاف أنواعها وأصنافها نِعمة منه .
وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نِعمة منه .
وإجراء ذِكْره على ألْسِنتهم ومَحبته ومعرفته على قلوبهم نِعمة منه .
وحِفظهم بعد إيجادهم نِعمة منه .
وقيامه بِمَصالحهم دَقيقها وجَليلها نِعمة منه .
وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم ومعايشهم نِعمة منه .
وذِكْر نِعَمِه على سبيل التفصيل لا سبيل إليه ولا قُدرة للبشر عليه ، ويكفي أن الـنَّفَس مِن أدنى نِعمِه التي لا يَكادُون يَعدّونها - وهو أربعة وعشرون ألف نَفَس في كل يوم وليلة - فَلّله على العبد في النَّفَس خاصة أربعة وعشرون ألف نِعمة كل يوم وليلة ! دع ما عدا ذلك مِن أصناف نِعمِه على العبد ، ولكل نعمة من هذه النِّعم حق مِن الشكر يَستدعيه ويَقتضيه ، فإذا وُزّعَت طاعات العبد كلها على هذه النِّعم لَم يَخرج قِسط كل نِعمَة منها إلاّ جَزءا يسيرا جدا لا نِسبة له إلى قَدْر تلك النِّعمة بِوَجْهٍ مِن الوُجوه ...
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لن ينجو أحد منكم بِعَمله " وفي لفظ : " لن يَدخل أحد منكم الجنة بِعَمله " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يَتغمّدني الله بِرحمة منه وفضل " . 
فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يُنجي أحدا عَمَله مِن الأولين ولا من الآخرين إلاّ أن يَرحَمه ربه سبحانه ، فتكون رَحْمته خير له مِن عَمَله ؛ لأن رحمته تُنْجِيه ، وعَمَله لا يُنْجِيه .
وقال رحمه الله :
القلوب جُبِلَت على حُبّ مَن أحسن إليها ، وبُغض مَن أساء إليها ، ولا أحد أعظم إحساناً مِن الله سبحانه ، فإن إحسانه على عَبده فى كل نَفَس ولَحظة ، وهو يتقلَّب في إحسانه في جميع أحواله ، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان ، فضلاً عن أنواعه أو عن أفراده ، ويَكفي أنّ مِن بعض أنواعه : نِعَمة النَّفَس التى لا تكاد تَخطر بِبَالِ العبد ، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نِعمة ، فإنه يَتنفّس في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نَفَس ، وكل نَفَس نِعمة منه سبحانه ، فإذا كان أدنى نِعمَة عليه فى كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة ، فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه ؟ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) ، هذا إلى ما يَصرِف عنه مِن المضرّات وأنواع الأذى التى تَقصده ، ولَعلها تُوازِن النِّعم في الكَثرة ، والعبد لا شعور له بأكثرها أصلاً ، والله سبحانه يَكلؤه منها بالليل والنهار ، كما قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ) . اهـ . 

ولا أحد يستطيع أن يَشكر الله على أصغر نِعَمِه .
قال بَكر بن عبد الله : ما قال عبدٌ قط : الحمدُ لله مرةً ، إلاّ وَجَبت عليه نعمةٌ بِقَولِه الحمدُ لله ، فما جَزاء تلك النعمة ؟ جزاؤها أن يقولَ : الحمد لله ، فجاءت نعمةٌ أخرى فلا تنفد نَعماءُ الله . رواه ابن أبي الدنيا في الشكر .

فكلُّ نعمةٍ فمن الله وحدَه حتى الشكر فإنه نعمةٌ ، وهي مِنْهُ سبحانَه ، فلا يطيقُ أحدٌ أن يشكرَه إلا بنعمته ، وشكرُه نعمةٌ مِنْهُ عليه ، كما قال داود عليه الصلاة والسلام : يا ربّ كيف أشكرُك وشكري لك نعمةٌ مِن نِعَمِك عليّ تستوجبُ شكراً آخر ؟ فقال : الآن شَكَرتني يا داود . ذَكَره الإمام أحمد في الزهد .
وذَكَرَ عن الحسن أنه قال : قال داود : إلهي لو أن لكل شَعرة مِن شَعري لِسَانين يَذكُرانك بالليل والنهار والدهرَ كلَّه لَمَا أدّوا مالَكَ عليَّ مِن حقِّ نِعمةٍ واحدة .

إذا كان شُكري نِعْمَةَ الله نعمةً = عليَّ له في مثلها يجبُ الشكرُ
فكيف وقوعُ الشكر إلاّ بِفَضلِه = وإن طالَت الأيامُ واتصل العُمر
إذا مسّ بالسراءِ عمَّ سرورُها = وإن مسَّ بالضراءِ أعقبها الأجر
وما منهما إلاّ له فيه مِـنّـةٌ = تضيقُ بها الأوهامُ والبرُّ والبحر

وقول " الحمد لله " بعد حصول النعمة : نِعمة أخرى أعظم مِن النعمة التي حَصَلت .
وفي الحديث : مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إِلاَّ كَانَ الَّذِي أَعْطَى أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ . رواه ابن ماجه ، وحسنه الألباني .
وفي رواية : ما أنْعَمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً فَحَمِدَ اللهَ عليها إلاَّ كان ذلك الحمدُ أفضلَ مِن تَلكَ النِّعْمَة .

فَحَمْد الله نِعمَة ، وشُكره نِعمَة ، وكل خَير وفَضْل مِنه نِعمَة ومِـنَّة .

قال القحطاني الأندلسي :
فَلَكَ المحامِد والمدائح كُلها ... بخواطري وجوارحي ولِساني
ولقد مَنَنْتَ عليَّ رب بأنْعُم ... ما لي بِشُكر أقلّهن يَدان

وسبق :
إذا مـسّ بالسراءِ عـمَّ سرورُها
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6304

خُطبة جُمعة عن .. (غرس محبة الله في النفوس)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14025

والله تعالى أعلم .


 

عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية