اطبع هذه الصفحة


حكم العبادة من أجل تحقيق آمال وأهداف دنيوية

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله وجزاكم الله كل خير فضيلة الشيخ
ما حكم العبادة من أجل تحقيق آمال واهداف دنيوية.........
اي ان يريد الانسان بعمله الخيري او الدعوي مثلا ان يريد به الدنيا ......
هل هذا ينقص الاجر والثواب او يحبط العمل كله ؟
بارك الله فيكم

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

لا يجوز فِعل العبادة من أجل تحقيق آمال وأهداف دنيوية ؛ لأن هذا تشريك في العبادة ، والله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي : أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم .

فإذا أراد الإنسان بِعمله الخيري أو الدعوي تحصيل أمور دنيوية ؛ فليس له إلاّ ما نوى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : مَن غزا ولا يَنوي في غَزَاته إلاّ عِقالا ؛ فَلَه ما نَوى . رواه الإمام أحمد والنسائي ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرَّجُل يُقَاتِل للمَغْنَم ، والرَّجُل يُقِاتِل للذِّكْر ، والرَّجُل يُقَاتِل ليُرَى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . رواه البخاري ومسلم .

بل إن مَن الْتَمَس الدنيا بالدِّين على خطر عظيم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بَشِّر هذه الأمة بالنصر والسَّناء والتمكين ، فمن عَمِل منهم عَمَل الآخرة للدنيا لم يَكن له في الآخرة نَصيب . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ، وهو صحيح .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ . رواه الترمذي من حديث كَعْبِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه ، وقال الألباني : حَسَن .
ورواه ابن ماجه من حديث ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما .

والأصل في الأعمال الصالحة التي تُقرّب إلى الله أن تُعمَل لله ابتداء ، ولو لَحِق بها نيّة أخرى مِن غير رياء ولا طلب سُمعة ؛ فإنها لا تضرّ ، فإن الله عزَّ وجَلّ قال في شأن الحج : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) .
وكَالذي يستغفر لتحصل له أمور دنيوية .
أو يترك الذنوب لتتيسّر أموره .

ولا شكّ أن خلوص العَمَل الصالِح مِن أغراض أخرى أزكى وأطيب وأكثر أجرا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلاَّ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَةِ ، وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ . رواه مسلم .

وقد فرَّق العلماء بين أن تكون النية في العمل الصالح ابتداء لتحصيل أمْر دنيوي ، وبين أن تكون النية لله ، ويلتحق بها مقصد دنيوي .

قال القرافي في الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات :
اعلم أن الرياء في العبادات شِرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته ، وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة ، كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ، ويَعضده ما في الحديث الصحيح أخرجه مسلم وغيره : إن الله تعالى يقول : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عَمِل عملا أشرك فيه غيري تَركته له أو تَركته لِشَرِيكي " فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى ، وكذلك قوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يَدلّ على أن غير المخلِصين لله تعالى ليسوا مأمورين به ، وما هو غير مأمور به لا يُجزَى عن المأمور به ، فلا يُعتَدّ بهذه العبادة وهو المطلوب ، وتحقيق هذه القاعدة وسِرّها وضابطها : أن يَعمل العمل المأمور به والْمُتقَرّب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى ، وأن يُعظّمه الناس أو يَعظُم في قلوبهم فيَصِل إليه نفعهم ، أو يندفع عنه ضررهم ؛ فهذا هو قاعدة أحد قسمي الرياء . 
والقسم الآخر أن يَعمل العمل لا يُريد به وجه الله تعالى ألبتة ، بل الناس فقط ، ويُسمّى هذا القسم : رياء الإخلاص ، والقسم الأول : رياء الشرك ؛ لأن هذا لا تشريك فيه بل خالص للخَلق ، والأول للخَلق ولله تعالى .
وأغراض الرياء ثلاثة : التعظيم ، وجلب المصالح الدنيوية ، ودفع المضار الدنيوية . والأخيران يَتفرّعان عن الأول ، فإنه إذا عُظِّم انْجَلَبت إليه المصالح ، واندفعت عنه المفاسد ، فهو الغرض الكلي في الحقيقة . فهذه قاعدة الرياء الْمُبْطِلة للأعمال الْمُحَرَّمة بالإجماع .
وأما مُطلق التشريك ؛ كمن جاهَد ليُحصّل طاعة الله بالجهاد وليُحصّل المال مِن الغنيمة ؛ فهذا لا يَضره ، ولا يحرم عليه بالإجماع ؛ لأن الله تعالى جَعَل له هذا في هذه العبادة . فَفَرْق بين جهاده ليقول الناس : إنه شجاع ، أو ليُعظّمه الإمام فيَكثُر عطاؤه مِن بيت المال ؛ فهذا ونحوه رياء حرام ، وبين أن يُجاهد ليُحصِّل السبايا والكُراع والسلاح مِن جهة أموال العدو ؛ فهذا لا يَضرّه ... 
وكذلك مَن حَجّ وشَرّك في حَجّه غَرَض الْمَتْجَر ، بأن يكون جُلّ مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ، ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك ، أو غير مقصود ويَقع تابِعا اتفاقا ؛ فهذا أيضا لا يَقدح في صِحة الحج ، ولا يوجب إثما ولا مَعصية . 
وكذلك مَن صام ليَصِحّ جسده ، أو ليَحصل له زَوال مَرض مِن الأمراض التي يُنافيها الصيام ، ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده ، والصوم مقصوده مع ذلك ، وأوْقَع الصوم مع هذه المقاصد - لا تَقدَح هذه المقاصد في صومه ، بل أمَر بها صاحب الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ، أي : قاطِع ، فأمَر بِالصوم لهذا الغرض ، فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام في العبادات وما معها . 
ومن ذلك : أن يُجدِّد وضوءه ويَنوي التبَرّد ، أو التنظيف ، وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الْخَلْق ، بل هي تشريك أمور مِن المصالح ليس لها إدراك ولا تَصلح للإدراك ولا للتعظيم ؛ فلا تقدح في العبادات . 
فَظَهَر الفَرْق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات غَرضا آخر غير الْخَلق ، مع أن الجميع تشريك ، نعم ، لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تُنقِص الأجر ، وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظُم الثواب ، أما الإثم والبطلان فلا سَبيل إليه ، ومن جهته حَصل الفَرق لا مِن جِهة كثرة الثواب وقِلّته . اهـ . 

قال ابن حجر في شرح حديث " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " : 
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ حُظُوظَ النُّفُوسِ وَالشَّهَوَاتِ لا تَتَقَدَّمُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، بَلْ هِيَ دَائِرَةٌ مَعَهَا .
وَاسْتَنْبَطَ الْقَرَافِيُّ مِنْ قَوْلِهِ " فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْعِبَادَةِ لا يَقْدَحُ فِيهَا بِخِلافِ الرِّيَاءِ ، لأَنَّهُ أَمر بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ ، وَهُوَ بِهَذَا الْقَصْدِ صَحِيحٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَرْشَدَ إِلَيْهِ لِتَحْصِيلِ غَضِّ الْبَصَرِ ، وَكَفِّ الْفَرْجِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ . اهـ .

وسبق الجواب عن :
ما حكم من يترك الذنوب لتتيسر أموره وتتحقق ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14507

قد يعمل المسلم نافلة ويجتهد فيها ليتيسر أمره ويكثر رزقه ببركة العمل الصالح ,كيف ترى هذا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=8217

هل حب المنصب و ثناء الناس تُحبط العمل وتنافي الإخلاص ؟
http://ashwakaljana.com/vb/showthread.php?t=29916

لن تَنَالُوا هَذا الأمْر بِالْمُغَالَبَة
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9259

والله تعالى أعلم 


 

عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية