اطبع هذه الصفحة


هل النهي عن البَصق تجاه القبلة مخصوص في المسجد وفي حال الصلاة ، أم على كل حال ؟

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض


ينتشر حديث عن حُكم البَصْق تُجاه القِبلَة ، ويُذكَر معه قول بعض أهل العِلْم : إن الْحُكم عام ، وإنه يأثَم كل مَن تَفَل تجاه القِبلَة ، سواء كان في المسجد أو في غيره ، وسواء كان في الصلاة أو خارِج الصلاة .
_____________________________________


الجواب :

ما وَرَد مِن عُموم النّهْي عن البَصق تجاه القِبْلَة ؛ هو مِن الْمُطْلَق الْمَحْمُول على الْمُقيَّد فيُقيّد بِالمسجد ، وفي حال الصلاة ، ولو كان فير غير المسجد .

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يَبْصق أمامه ، فإنما يُناجِي الله ما دام في مُصلاّه ، ولا عن يَمِينه ، فإن عن يَمِينه مَلَكا ، وليَبْصُق عن يساره ، أو تحت قدمه ، فيَدْفنها . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نُخَامة في قِبْلة المسجد ، فأقْبل على الناس ، فقال : ما بَال أحدكم يَقوم مُسْتَقْبِل رَبّه فيَتَنَخّع أمامه ؟ أيُحِب أحدكم أن يُسْتَقْبَل فيُتَنَخّع في وَجْهه ؟ فإذا تَنَخّع أحدكم فليَتَنَخّع عن يساره ، تحت قدمه ، فإن لم يَجِد فلْيَقْل هكذا . ووَصَف القاسم : فَتَفَل في ثَوبه ، ثم مَسَح بعضه على بعض .

فهذا صريح في أن النهي حال الصلاة ؛ لِقولِه : " إذا قام أحدكم إلى الصّلاة فلا يَبْصق أمامه ، فإنما يُناجِي الله ما دام في مُصلاّه " .

وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نُخَامَة في قِبلة المسجد ، فحَكّها بِحَصَاة ، ثم نَهَى أن يَبْصق الرّجُل بين يديه وعن يمينه ، وقال : لِيَبْصُق عن يساره ، أو تحت قَدَمه اليُسرى . رواه البخاري ومسلم .

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بُصاقا في جِدار القِبلة فحَكّه ، ثم أقبل على الناس فقال : إذا كان أحدكم يُصلّي فلا يَبصُق قِبَل وَجْهه ، فإن الله قِبَل وَجْهه إذا صَلّى . رواه البخاري ومسلم .
وكذلك في حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما .

وحديث ابن عمر : صَرِيح في أن النّهي حال الصلاة ، وفي المسجد .

وفَهِم الصحابة رضي الله عنهم أن النّهي عن البُصاق تجاه القِبْلَة حال الصلاة وفي المسجد خاصة .

قال أبو وائل : كُنّا عند حذيفة رضي الله عنه فقام شَبَث بن رِبْعيّ يُصلي فبَصَق بين يديه ، فلما انصرف قال : يا شَبَث لا تَبْصُق بين يديك ولا عن يمينك ، فإن عن يمينك كاتِب الْحَسَنات ، وابْصُق عن شِمَالك وخَلْفك ، فإن الرّجُل إذا توضأ فأحسن الوضوء ، وقام إلى الصلاة اسْتَقْبَله الله بِوَجْهه يُنَاجِيه ، فلا ينصرف عنه حتى يكون هو يَنصَرف ، أو يُحْدِث حَدَث سُوء . رواه عبد الرزاق .

وقال النووي في شرح حديث أبي سعيد : قوله : " إن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يَبزُق الرّجُل عن يمينه وأمامه ، ولكن يبزُق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى " ، وفي الرواية الأخرى : إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يُنَاجِي ربه ، فلا يَبزُقَنّ بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن شماله تحت قدمه " : فيه نَهْي الْمُصَلّي عن البُصَاق بين يَدَيه وعن يمينه ، وهذا عام في المسجد وغيره . اهـ .
وقوله رحمه الله : " وهذا عام في المسجد وغيره " أي أن النّهي للمُصلّي حال صلاته عن البُصاق في القِبْلَة في المسجد وفي غير المسجد ، أي : حتى لو كان يُصلي في بيته أو في الفضاء ؛ فإنه مَنْهِيّ عن البُصاق تجاه القِبْلَة وهو يُصلّي .
وهذا خِلاف ما فَهِمه الحافظ ابن حَجَر رحمه الله ، ونَقَلَه عن النووي .

وقال ابن حَجَر : وَقَدْ نُقِل عَن مَالِك أَنَّه قال : لا بَأس بِه ، يَعْني : خَارِج الصَّلاة . اهـ .

ولا يُمكن أن يُقاس البُصاق على البول والغائط في النّهي عن استقبال القِبْلَة ؛ لأن البُصاق طاهِر بالإجماع ، والبَول والغائط نَجِس بالإجماع .

قال ابن عبد البر في شَرْح حديث ابن عمر السابق : أما حَكّه صلى الله عليه وسلم البُصَاق مِن القِبْلة فَفِيه دليل على تَنْزِيه المساجد مِن كُلّ ما يَسْتَقْذَر ويُسْتَسْمَج ، وإن كان طاهرا ؛ لأن البُصَاق طاهر ، ولو كان نَجِسًا لأمَرَ بِغَسْل أثَرِه . اهـ .

وقال ابن قُدَامَة في حُكم النّخامة : ولو كانت نَجِسة لَمَا أمَر بِمَسْحِها في ثَوْبه ، وهو في الصلاة ، ولا تَحت قَدَمه . ولا فَرْق بين ما يَخْرُج مِن الرأس والبَلْغم الخارِج مِن الصّدْر . اهـ .

وذَكَر الزّركشي الإجماع على طهارة البُصَاق ، حيث قال : الخارج مِن الإنسان ثلاثة أقسام :
ثم ذَكَر القسم الأول ، وهو : طاهِر بلا نِزَاع ، وهو الدمع ، والعَرَق ، والرّيق ، والْمُخَاط ، والبُصَاق . اهـ .

ثم إن النخامة قد تُفاجئ الإنسان ، ويَشقّ عليه أن يسأل أو يبحث عن القِبْلَة ، بِخلاف البول والغائط .

ويُمكن أن يُقال : لا يَبصُق الإنسان عن يمينه ؛ لأنه لا يَشقّ عليه مَعرفة اليمين ، وبهذا قال غير واحد من السَّلَف .

قال عبد الرحمن بن يزيد : كُنّا مع عبد الله بن مسعود فأراد أن يَبْصق وما عن يمينه فَارِغ ، فَكَرِه أن يَبْصق عن يمينه وهو ليس في الصلاة . رواه عبد الرزاق .

ورَوَى عبد الله بن الصامت عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان مَرِيضا فبَصَق عن يمينه ، أو أراد أن يَبْصُق ، فقال : ما بَصَقتُ عن يَمِيني منذ أسْلَمْتُ . رواه عبد الرزاق .

وقال عمرُ بن عبد العزيز لابْنِه عبد الملك وقد بَصَق عن يمينه ، وهو في مَسِير ، فَنَهَاه عن ذلك وقال : إنك تُؤذِي صَاحِبك ، ابْصُق عن شِمَالك . رواه عبد الرزاق .

وهذه الآثار إنما هي في احترام اليمين ؛ وعَلّلوه : بأن عن يمين الإنسان مَلَك . وليست في تحريم البَصق تجاه القِبْلَة مُطلَقًا .

وهنا :
هل التفل تجاه القبلة منهيّ عنه في المسجد وفي غير المسجد ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=20452

والله تعالى أعلم .

المجيب فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
 


 

عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية