ماموقفنا من المذهب الظاهري ؟؟
الجواب :
وأما موقفنا
من المذهب الظاهري فيُستفاد منه ، ولو
لم يكن فيه سوى كتاب المُحلّى لكفى
ولكن من ينظر في مثل هذا الكتاب يجعل في حسبانه أن ابن حزم – رحمه الله – ممن
يُنكر القياس ولا يراه ، ويُقال فيه : جَمَدَ في الفقه لما أنكر القياس ،
وقاس في مسائل الاعتقاد من حيث لا يشعر ، ويُلتمس له العذر في ذلك .
ثم إنه شديد العبارة على بعض العلماء أحيانا .
وإلا فإن في المحلى علماً جمّـاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : وكذلك أبو محمد بن حـزم فيما
صنفـه من الملل والنِّحل إنما يُستحمد بموافقـة السنة والحديث ، مثل ما ذكره
في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك ، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل
بين الصحابة ، وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يُستحمد فيه بموافقـة أهل
السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ، ويعظم السلف وأئمـة الحديث ،
ويقول إنه موافق للإمام أحـمد في مسألة القرآن وغيرها ، ولا ريب أنه موافق له
ولهم في بعض ذلك ، وإن كان أبو محمد بن حـزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من
غيره وأعلم بالحديث ، وأكثر تعظيما لـه ولأهله من غيره لكن قد خالـط من أقوال
الفلاسفـة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صَرَفَهُ عن موافقة أهل الحديث في
معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى ، وبمثل هذا صار
يذمه من يذمّه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتِّباعه لظاهرٍ لا باطن
له ، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق ، وكما نفى خـرق العادات
ونحوه من عبادات القلوب ، مضموما إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر ،
والإسراف في نفي المعاني ، ودعوى متابعة الظواهـر ، وإن كان لـه من الإيمان
والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ، ويوجد في كتبه من
كثرة الاطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب
الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره ، فالمسألـة التي يكون فيها حديث يكون جانبه
فيها ظاهـر الترجيح ، وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال
السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء .
وقال الإمام الذهبي – رحمه الله – في ترجمة ابن حزم : وقد أخذ علم المنطق -
أبعـده الله من علم - عن محمد بن الحسن المذحجي ، وأمعن فيه ، فزلزله عن
أشياء ، ولِي أنا مَيْلٌ إلى أبي محمـد لِمَحَبَّتِهِ في الحديث الصحيح ،
ومعرفته به ، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل
البشعة في الأصول والفروع ، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ولكن لا أكفِّـره
ولا أضلله ، وأرجو لـه العفو والمسامحة وللمسلمين ، وأخضع لفرط ذكائه وسعة
علومه
كما قال عنه : وبَسَطَ لسانه وقلمـه ، ولم يتأدب مع الأئمـة في الخطاب بل
فجّج العبارة ، وسبّ وجدّع ، فكان جزاؤه من جنس فعله ، بحيث إنه أعرض عن
تصانيفه جماعة من الأئمة ، وهجروها ، ونفروا منها ، وأُحْرِقَتْ في وقت ،
واعتنى بـها آخرون من العلماء ، وفتشوها انتقادا واستفادة ، وأخـذاً ومؤاخـذة
، ورأوا فيها الـدر الثمين ممزوجا في الرَّصْف بالـخرز المهين ، فتارة يطربون
، ومرة يعجبون ، ومن تفرده يهزؤون ، وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ
من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رحم الله الجميع وأسكنهم الفردوس الأعلى .