اطبع هذه الصفحة


شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث التاسع عشر : في الحث على السواك

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
الحديث التاسع عشر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة .

= روايات الحديث وألفاظه الواردة في الصحيحين :
لولا أن أشق على المؤمنين . وهذه الرواية عند مسلم .
لولا أن أشق على الناس . وهذه الرواية والتي تليها عند البخاري .
لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة .
لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء . وهذه علّقها البخاري .

= المصنف – رحمه الله – أورد الحديث بلفظ : لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة .
وهذه رواية مسلم ، وهي عند البخاري مُعلّـقـة .
والرواية الموصولة عند البخاري بلفظ : لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة .

= شدّة شفقته صلى الله عليه على آله وسلم بأمته ، وحرصه عليهم ، حتى كان يترك العمل مخافة أن يُفرض على أمته فلا تُطيقه .
وقد وصفه الله عز وجل بذلك ، فقال : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )

ومن صور حِرصه صلى الله عليه على آله وسلم :
* حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة :
قال عليه الصلاة والسلام : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض – ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء – فقال :
فيأتونني فأقول : أنا لها ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول : يا رب أمتي أمتي ... الحديث . رواه البخاري ومسلم .

ودعوى الأنبياء يومئذٍ : اللهم سلـّـم سلـّـم .

قال أبو عبدالرحمن السلمي – في قوله تعالى ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )
قال – رحمه الله – :
انظر هل وصف الله عز وجل أحدا من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي وصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس بأنفسهم كيف يدع نفسه ويقول : أمتي أمتي . يرجع إلى الشفقة عليهم . اهـ .

* حرصه على هداية أمته :
قال عليه الصلاة والسلام لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) وقول عيسى عليه السلام ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم .

* شفقته بنساء أمته :
قال عليه الصلاة والسلام : إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي ، فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمـِّـه . رواه البخاري .

* وقال في الحج :
أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه . رواه مسلم .

وقال في الصيام :
ولما صلى في رمضان ، وصلى رجال بصلاته ، ترك القيام في الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها . متفق عليه .

هذه أمثلة لا يُراد بها الحصر ، ولا شك أنها تدلّ على شفقته صلى الله عليه على آله وسلم بأمته ، وحرصه عليهم .

وقال هنا في السواك : لولا أن أشق على أمتي .

وهذا يبعث في النفس التوقير له صلى الله عليه على آله وسلم ، ويُعمق صدق محبته عليه الصلاة والسلام في نفوس المؤمنين ، إذا تأملوا ذلك ، وكيف أنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل الذي يُحبّـه خشية أن يُفرض على الأمة فلا تستطيعه أو يشق عليها .

فصلوات ربي وسلامه عليه أزكى صلاة ، وأتمّ تسليم .


= قوله " عند كل صلاة "
صلاة : نكرة ، فتفيد العموم ، فيدخل في ذلك صلاة الفرض والنفل .
وسواء توضأ الإنسان أو تيمم لعدم وجود الماء أو لتعذّر استعماله .
لأن القصد هو تطييب الفم .
ولأن الملائكة تتأذّى مما يتأذى منه بنو آدم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم . رواه مسلم .
وكان من توجد منه الروائح المؤذية يُطرد من المسجد .
قال عمر – رضي الله عنه – :
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخا . رواه مسلم .
يعني البصل والثوم .

ويلحق بهما كل ما له رائحة مستكرهة أو خبيثة ؛ كالتدخين ونحوه .

وقد يظن بعض الناس أن أكل الثوم أو البصل أنه عذر في التخلف عن الجماعة ، وليس كذلك ، إنما هو حرمان لمن أكلهما من هذا الشرف ، وهو حضور الجماعة .
كما يُحرم المنافق من حضور وشهود القتال نكاية له .

كما أن أكل الثوم أو البصل في زمن النبي صلى الله عليه على آله وسلم لم يكن إلا من جوع .
قال جابر بن عبدالله : وقد نـهى رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم عن أكل البصل والكراث ، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال : من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس . رواه مسلم .
وقال أبو سعيد : فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة – الثوم - والناس جياع ، فأكلنا منها أكلاً شديداً ، ثم رحنا إلى المسجد ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح ، فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد . رواه مسلم .

وقد بوّب الإمام البخاري – رحمه الله – باباً فقال : باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره ، فلا يقربن مسجدنا .

= لا يُكره السِّواك للصائم لا أول النهار ولا آخره ، لعموم الأحاديث التي فيها الحثّ على السِّواك .
وأما حديث " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي " فحديث ضعيف .

وأما الاستدلال بفضل خلوف الصائم ، وقوله عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك . متفق عليه .
فلا يُسلّم لمن استدلّ به لعدة اعتبارات :
الأول : أن خلوف فم الصائم ليس سببه الأسنان ، بل خلو المعدة من الطعام .
الثاني : أننا لسنا بمتعبدين بهذه الرائحة ، فلا يُترك السِّواك لأجل إبقاء رائحة الفم .
الثالث : أن هذه الروائح مما يتاذّى به الناس ، ولكنها لما كانت آثار عبادة كانت محبوبة إلى الله تعالى لا لذاتها فحسب .
ومثل هذا دم الشهيد ، هو مما يتأذى الناس برائحته ، ولكنه عند الله محبوب ، ولذا يأتي يوم القيامة اللون لون الدم ، والريح ريح مسك .
الرابع : أنه لم يرد الأمر بإبقاء خلو فم الصائم ، كما لم يصحّ النهي عن الاستياك حال الصيام .

قال ابن القيم – رحمه الله – :
وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به ، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثـّـاً منه على الصوم ، لا حثـّـاً على إبقاء الرائحة ، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر ، وأيضا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم ، وأيضا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم ، وأيضا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله تعالى يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة صيامه ، ولو أنه أزاله بالسواك . انتهى .

= في الحديث الرد على من منع الاستياك في المسجد .
وقد نقل أبو بكر الطرطوشي عن الإمام مالك أنه كره الاستياك في المسجد من أجل ما يخرج من السواك ، فيُلقيه في المسجد .
والعجيب قول القرطبي : ولم يُروَ عنه أنه تسوّك في المسجد ، ولا في محفل من الناس ؛ لأنه من باب إزالة القذر ، ولا يليق بالمساجد ولا محاضر الناس ، ولا يليق بذوي المروءات في الملأ من الناس . انتهى .

والصحيح أنه لا يُكره لهذا الحديث : " مع كل صلاة " ، " عند كل صلاة "
ولا شك أن دلالة القول أقوى من دلالة الفعل ، وهذا حث على الاستياك مع كل صلاة .

وهذا الذي فهمه زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – فإنه لما روى حديث : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة . فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب ، لا يقوم إلى الصلاة إلا استنّ ثم رده إلى موضعه . رواه الإمام أحمد وابو داود والترمذي .

[ وأما كونه من باب إزالة الأقذار ، فلا يُسلّم بل هو من باب الطيب ، وفعله من المروءة لا كما قال ؛ لأنه فيه إظهار شعار هذه السُّـنّــة ] قاله ابن الملقن .

وقال ابن كثير – رحمه الله – في قوله تعال : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) قال :
ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يُستحب التجمل عند الصلاة ، ولاسيما يوم الجمعة ويوم العيد ، والطيب لأنه من الزينة ، والسواك لأنه من تمام ذلك . انتهى .

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
عن السواك وتسريح اللحية في المسجد . هل هو جائز أم لا ؟
فأجاب :
أما السواك في المسجد فما علمت أحداً من العلماء كرهه بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد ، ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد ويمتخط في ثيابه باتفاق الأئمة وبسنة رسول الله الثابتة عنه ، بل يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء ، فإذا جاز الوضوء فيه ، مع أن الوضوء يكون فيه السواك ، وتجوز الصلاة فيه ، والصلاة يستاك عندها ، فكيف يكره السواك ؟! وإذا جاز البصاق والامتخاط فيه فكيف يكره السواك ؟
ثم ذكر حُـكـم تسريح اللحية وفصّل القول فيها ( مجموع الفتاوى 22 / 201 – 202 )

وقد تقدّم ذكر من قال بكراهية السواك في المسجد ، والجواب عنه .

وأما في محفل ومجمع من الناس فسيأتي الكلام عليه – إن شاء الله – في شرح حديث أبي موسى – رضي الله عنه – .

= تنبيه :
حديث " فضل الصلاة التي يُستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا " لا يصح ، فهو حديث ضعيف ، ضعفه الشيخ الألباني في الضعيفة 1503

والله أعلى وأعلم .

كُتِبَ أصل هذا الدرس في المسجد الحرام – الجمعة 23 / 5 / 1423 هـ .
 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية