ح 83
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ : إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا , فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ : غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ .
في الحديث مسائل :
1=
قوله : " إذا أمّـن " معنى التأمين :
أي قول : آمين . ولا يجوز تشديد الميم ، فإن المعنى يختلف ، وهو القصد ، ومنه
قوله تعالى : (وَلا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) أي قاصدين .
والمعنى : اللهم استجب لما تضمنته الفاتحة من دعاء ، ويدل عليه ما في صحيح مسلم
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني
وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل – وفيه – : فإذا قال : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
فناسب بعد هذا السؤال أن يقول المأموم : اللهم استجِب ، يعني هذا الدعاء .
وفي قول : آمين معنى آخر ، وهو أن الذي يُؤمِّن على الدعاء كالداعي ، ومنه دعاء
موسى عليه الصلاة والسلام وتأمين هارون ، فقال الله : ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ
دَعْوَتُكُمَا ) مع قوله قبل ذلك : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ
فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا
لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ
عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ )
فالدّاعي هنا موسى عليه الصلاة والسلام وهارون عليه الصلاة والسلام أمّن على
دعائه ، ونُسِبت الدعوة لهما .
وفي شرعنا أن الإمام يدعو والمأموم يُؤمِّن ، كما في القنوت من الوتر ، وكما في
الاستسقاء ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالمستمع للفاتحة هو كالقارئ ، ولهذا يؤمِّن على
دعائها . اهـ . يعني الفاتحة .
2 =
حُكم التأمين ، أي قول آمين .
الجمهور على أنه سُـنّـة ، وحَملوا قوله ألأمر في هذا الحديث على الاستحباب
بدليل ما جاء في بعض روايات الحديث :
إذا قال أحدكم آمين ، وقالت الملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى
غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه . رواه البخاري ومسلم .
3 =
هل يُؤمِّن الإمـام ؟
السنة أن الإمام يُؤمِّن ، كما دل عليه حديث الباب .
وروى أبو داود بإسناده إلى عن وائل بن حجر قال : كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا قرأ (وَلا الضَّالِّينَ) قال : آمين ، ورفع بها صوته . وصححه الألباني
.
وقال الإمام البخاري : باب جهر الإمام بالتأمين . وقال عطاء : آمين دعاء .
أمَّنَ ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد لَلَجَّـة . وكان أبو هريرة يُنادي
الإمام : لا تَفُتْنِي بـ " آمين " . وقال نافع : كان بن عمر لا يَدَعَـه ،
ويحضهم ، وسمعت منه في ذلك خيراً . اهـ .
قال ابن دقيق العيد :
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ يُؤَمِّنُ . وَهُوَ اخْتِيَارُ
الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ . وَاخْتِيَارُ مَالِكٍ : أَنَّ التَّأْمِينَ
لِلْمَأْمُومِينَ . وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَهْرُ الإِمَامِ
بِالتَّأْمِينِ . فَإِنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُمْ بِتَأْمِينِهِ . فَلا بُدَّ
أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهِ . وَذَلِكَ بِالسَّمَاعِ . اهـ .
4 =
هل يَجهر المأموم بالتأمين ؟
السنة أن يَجهر الإمام والمأموم والمنفرد بالتأمين .
وعقد الإمام البخاري باباً فقال : باب جهر المأموم بالتأمين .
ثم ساق بإسناده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال
الإمام : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) فقولوا : آمين
. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه .
قال ابن المنيِّر : مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين
، والقول إذا وقع به الخطاب مُطلقاً حُمِلَ على الجهر ، ومتى أريد به الإسرار
أو حديث النفس قُيـِّدَ بذلك . وقال ابن رشيد : تؤخذ المناسبة من جهة أنه قال
إذا قال الإمام فقولوا ، فقابَلَ القول بالقول ، والإمام إنما قال ذلك جهرا ،
فكان الظاهر الاتفاق في الصِّفَـة .
5 =
هل يُوافق المأموم الإمام في قول : آمين .
استدل بعض العلماء بقوله عليه الصلاة والسلام : إذا قال الإمام : ( غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) فقولوا : آمين . رواه البخاري
ومسلم .
على أن المأموم يُوافِق الإمام في قول : آمين .
قال ابن الملقِّن : فظاهره الأمر بوقوع الجميع في حالة واحدة . اهـ .
إلا أن الذي يظهر أن قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الباب : " إذَا أَمَّنَ
الإِمَامُ فَأَمِّنُوا " يقتضي عدم الموافقة في التأمين ، وحديث أبي هريرة رضي
الله عنه " إذا قال الإمام : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضَّالِّينَ ) فقولوا : آمين " ليس فيه ما يدل صراحة على الموافقة ، وإنما فيه
الحث على قول آمين ، وغاية ما فيه أنه يدل على أن قول آمين عقب الانتهاء من
الفاتحة .
كما إن الفاء تأتي بمعنى ( ثم ) .
6 =
فضل قول آمين ، لما تضمّنته من مغفرة الذنب .
ويُحمل على مغفرة الصغائر دون الكبائر .
7 =
المقصود بـ تَأْمِين الْمَلائِكَةِ .
على قولين :
الأول : على ظاهره في عموم الملائكة .
الثاني : أنهم الْحَفَظـة .
قال ابن الملقِّن : واحتُجّ للثاني بالرواية السالفة : وقالت الملائكة في
السماء آمين .
ولا إشكال في ذلك ، فالملائكة تُصلي وتصف صفوفاً ، ويدل عليه قوله عليه الصلاة
والسلام: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قال جابر بن سمرة : فقلنا يا
رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يُتِمُّون الصفوف الأوَل ،
ويتراصّون في الصف . رواه مسلم .
والله تعالى أعلم .
|