اطبع هذه الصفحة


شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 203 في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
شرح الحديث الـ 203

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ : صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى , وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ .

فيه مسائل :


1 = تعريف الْخُلَّة :
قال ابن الأثير : الْخلَّة بالضَّم : الصَّدَاقة والمَحَبَّة التي تَخَلَّلَت القَلْب فصارت خِلاَلَه ، أي : في باطنه .

2 = لا تعارُض بين قول أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خليلي " ، وبيْن نَفْي النبي صلى الله عليه وسلم الْخُلّة عن أحد ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : لو كنت مُتَّخِذًا مِن أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قُحافة خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . رواه البخاري ومسلم .
فإن أبا هريرة لم يُخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتَّخَه خليلا ، ولكنه هو يُخبر عن نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم خليله ، أي : أن الْخُلّة مِن جِهة أبي هريرة رضي الله عنه .

3 = هذا مِن أفضل الصيام ؛ لأن الحسنة بِعشرة أمثالها ، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : إن بِحَسْبِك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ، فإن ذلك صيام الدهر كله . رواه البخاري ومسلم .
وسبق أنه لا تعارُض بين تفضيل صيام داود عليه الصلاة والسلام وبين صيام شهر مُحَرَّم .
فصيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الشهر .

4 = اخْتُلِف في تعيين هذه الأيام على أقوال :
أ – فسّره جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأيام البيض ( 13 ، 14 ، 15 ) .
ب – مِن أوّل الشهر .
جـ - مِن أيام الاثنين والخميس . واستدلّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : تُعْرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم . رواه الترمذي .

ومَن فسّره بأيام البِيض ، استدلّ بـ :
حديث عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم . قيل : من أيِّه كان يصوم ؟ قالت : كان لا يُبالي مِن أيِّه صام . رواه أبو داود والترمذي والنسائي .
وبِحَدِيث أبي ذر رضي الله عنه : أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض : ثلاث عشر وأربع عشرة وخمس عشرة . رواه ابن حبان وغيره .
وبِحَدِيث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر صيام الدهر ، أيام البيض : صبيحة ثلاثة عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه النسائي .
وبقوله عليه الصلاة والسلام : إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فَصُم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب صيام أيام البيض : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة .
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ...

فالذي يظهر أن البخاري يُرجِّح صيام أيام البيض ، لِمن كان يصوم ثالثة أيام من كل شهر .
ويظهر أنه يُقيِّد حديث أبي هريرة هذا بِأيام البيض .

وهذا أقوى الأقوال ؛ لأنه فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله .

5 = اْخْتُلِف في سُنّيَة صلاة الضحى .
والصحيح أن صلاة الضحى سُنة ، فقد صلاّها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفَتْح ، كما في حديث أم هانئ رضي الله عنها ، وهو مُخرّج في الصحيحين .
وصلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل مِن الأنصار ، كما في حديث أنس ، وهو مُخَرَّج في الصحيحين .
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضّحى .
ومَن صَلى صلاة الضحى كانت له عِدْل ثلاثمائة وستّين حَسَنة .
ففي حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ؛ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى . رواه مسلم .
وأما ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن ركعتي الضحى : بِدعة . كما في صحيح البخاري .
وما رواه البخاري من طريق مورّق قال : قلت لابن عمر رضي الله عنهما : أتُصَلّي الضحى ؟ قال : لا . قلت : فَعُمَر ؟ قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا إخاله .
فهذا محمول منهما رضي الله عنهما على عدم العلْم بهذه السُّنَّة ، فإن ابن عمر رضي الله عنهما قال في الأخير : " لا إخاله " يعني : لا أظنه !
وكون المسألة تَخْفى على بعض الصحابة ، بل وعلى بعض كبارهم ؛ غير مُستبْعَد ، وهو أمْر وارِد .
فقد خَفْي على أبي بكر مسائل ، وخَفْي على عمر مسائل .
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول في بعض المسائل : كتاب الله أحق أن يُتَّبَع أم عمر ؟!
هذا مِن جهة .
ومِن جهة ثانية فالقاعِدة أن الْمُثْبِت مُقدَّم على النَّافِي .
فأبو هريرة وأبو ذر وأنس وأم هانئ - وغيرهم - أثْبَتوا سُنيّة صلاة الضحى ، فَقَولُهم مُقَدَّم على قَول مَن نَفَاها ؛ لأنَّ مَن أثْبَتَها عنده زِيادة عِلْم .
مع أن من أثْبَت سُنيّة صلاة الضحى أكثر ممن نفاها .
ومِن جهة ثالثة فإن قول الصحابي إنما يكون حُجّة في غير موضع النص .

6 = اختلاف وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : مبني على عِلْمه صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه ، وما يُناسب كل واحد منهم ، فالقوي يُناسبه الجهاد ، والعابد تُناسبه العبادة ، والعالِم يُناسبه العِلْم ، وهكذا .
وفي هذا إشارة إلى الْمُربِّين والقائمين على التربية والتعليم والتوجيه : أن يُوجِّهوا كل مُتعلِّم لِمَا يُناسبه .

7 = اْخْتُلِف في حُكم الوتر بين الوجوب وبين السنية المؤكَّدَة .
والصحيح أنه سُنة مُؤكَّدَة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حافظ عليها ، وأمَر به من غير إيجاب .

وبالله تعالى التوفيق .



 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية