اطبع هذه الصفحة


شرح أحاديث عمدة الأحكام
حديث 182 في قَدْر المخرج في زكاة الفطر ومما تُخرج

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ صلى الله عليه وسلم صَاعاً مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ , أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ . فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ , وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ , قَالَ : أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ يَعْدِلُ مُدَّيْنِ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : أَمَّا أَنَا : فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

في الحديث مسائل :

1= قوله : " كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ صلى الله عليه وسلم صَاعاً مِنْ طَعَامٍ " أي : يُعطُون زَكاة الفِطر صاعا مِن الطعام ، مما هو مِن قُوت البلد . وهذا له حُكم الرَّفْع .

2= قوله : مِن طَعام . قال ابن عبد البر : ولم يَختلف مَن ذَكَر الطعام في هذا الحديث أنه أراد به الحنطة .

3= لِمن تُصرَف زكاة الفِطر ؟
قال في شرح منتهى الإرادات : وَمَصْرِفُهَا ، أَيْ : زَكَاةِ الْفِطْرِ كمَصْرِفِ زَكَاةِ مَالٍ ، لِعُمُومِ : ( إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ) الآيَةَ .
والذي جاء به النصّ الاقتصار على ذِكْر المساكين ، ويدخل فيهم الفقراء ؛ لأن لفظ الفقير والمسكين إذا افْتَرقا اتَّحَدا ، وإذا اتَّحَدا افترقا .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فَرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرة للصائم مِن اللغو والرَّفَث ، وطُعْمَة للمَسَاكين . رواه أبو داود وابن ماجه .
وليس في بقية الأصناف مِن أهل الزكاة حاجة في ذلك اليوم إلى الإطعام ، فيُقتصر على الفقراء والمساكين .
ثم رأيت تقرير ابن القيم لهذا ، حيث قال : وكان مِن هَديه صلى الله عليه وسلم تَخْصِيص المساكين بهذه الصَّدَقة ، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قَبْضَة قَبْضَة ، ولا فَعَله أحَد مِن أصحابه ، ولا مَن بعدهم ... وهذا القول أرْجَح مِن القول بِوجوب قِسمتها على الأصناف الثمانية . اهـ .

4= على مَن تَجِب ؟ وهل يمنعها الدَّين ؟
تجب على كُلّ مسلم حُرّ عاقل بالغ يَجد ما يزيد عن قوت يومه ، عنه وعن من تلزمه نفقته .
قال الإمام الشافعي : ويُؤدّي وَلِيّ الصبي والمعتوه عنهما وعمن تلزمهما مؤنته كما يؤدي الصحيح ، وكل من دخل عليه هلال شوال وعنده قوته وقوت مَن يقوته يومه وليلته وما يُؤدّي به زكاة الفطر عنهم وعنه أداها عنه وعنهم ، فإن لم يكن عنده إلاّ ما يؤدي به زكاة الفطر عنه أو عن بعضهم أداها ، فإن لم يكن عنده إلا قوته وقوتهم فلا شيء عليه .
وقال : فإن كان أحد ممن يَقوت واجِدا لزكاة الفطر لم أرخص له أن يدع أداءها عن نفسه .
وقال : لا زكاة فِطر إلاّ على مسلم ، وعلى الرجل أن يزكى عن كل أحد لَزِمَه مُؤنته ، صغارا أو كبارا . اهـ .
وقال النووي : المعسر لا فِطرة عليه بلا خلاف . قال المصنف والأصحاب : والاعتبار باليسار والإعسار بِحال الوجوب ؛ فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع فهو مُوسِر ، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ، ولا يلزمه شيء في الحال ، ولا يستقر في ذمته. اهـ .
وقال البهوتي في شرح منتهى الإرادات : وَلا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا ، أَيْ : زَكَاةِ الْفِطْرِ دَيْنٌ ، لِتَأَكُّدِ هَا بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَتَحَمُّلِهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ ، وَلأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ . اهـ .

5= لَم يَنفرِد معاوية رضي الله عنه بهذا الفِعل ، كَما أن لِفِعْلِه أصْلاً في السُّـنَّـة .
قال عليه الصلاة والسلام : أدُّوا صَاعًا مِن قَمح ، أو صاعا مِن بُرّ عن كل اثنين ، صغير أو كبير ، ذَكَر أو أنثى ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ؛ أما غَنِيكم فَيُزَكِّيه الله ، وأما فَقِيركم فَيَرُد عليه أكثر مما يُعْطِي . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وقال ابن قدامة : إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وقال الألباني : صحيح .
وجاء عن أسماء بنت أبى بكر أنها كانت تُخْرِج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الْحُرّ منهم والمملوك ؛ مُدَّيْن مِن حِنطة ، أو صاعا مِن تَمْر ، بِالْمُدّ أو بِالصَّاع الذي يتبايعون به . رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ، والطبراني ، وقال الألباني : سنده صحيح على شرط الشيخين .
فاجتهاد معاوية ليس اجتهادا في خِلاف النصّ ، بل هو اجتهاد يتماشَى مع النصّ .

6= سبب مُعادلة معاوية رضي الله عنه الْمُدّ مِن قَمْح الشام بالْمُدَّيْن مِن غيره ، هو طِيب القَمْح الشامِي مُقارنة بِغيره .

7= يُجزئ إخراج كُل ما يُقْتَات ويُدَّخر ، وزاد بعض أهل العلم قَيدًا ثالثا ، وهو أن يَكون مِما يُكْتَال .
فلو كان مما يُدَّخر ولا يُقْتَات ، فلا يُجزئ .
وإن كان مما يُقتَات ولا يُدخَّر ، فلا يَجزئ أيضا .
ولذلك فإن الشعير في هذا الزمان ليس مما يُقتَات عادة .
قَال الإمام مَالِكٌ : يُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ .

8= قال ابن حجر : قوله : " وجاءت السمراء " أي : القمح الشامي . اهـ .

9= قوله : " قَالَ : أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ يَعْدِلُ مُدَّيْنِ " القائل : هو معاوية رضي الله عنه ؛ فهو الخليفة آنذاك .

10= الْمُدّ : ما يَكون مِلء الكَفَّيْن .
قال القاضي عياض : والصاع أربعة أمداد .

11= إذا جَرى الخلاف بين الصحابة فالترجيح بأمُور أخْرى وبِمُرجِّحَات خَارِجِية .
والترجيحات بين أقوال الصحابة تكون بِوجوه كثيرة نُصّ عليها في كُتُب الأصول .

12= هذا الخلاف إنما هو في القمح والبر .
قال ابن عبد البر : واخْتَلَف أهل العلم في مِقدار مَا يُؤدِّي المرء عن نفسه في صدقة الفطر مِن الحبوب ، بعد إجماعهم أنه لا يجزئ مِن التمر والشعير أقَل مِن صاع بِصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أربعة أمْداد بِمُدِّه صلى الله عليه وسلم .
 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية